تَجَلِّيَاتٌ لُغَوِيَّةٌ في شَهْرِ الصَّوْم : المُعْجَمُ اللُّغَويُّ الرَّمَضَانِيّ

صحيفة نبض الامارات

تَجَلِّيَاتٌ لُغَوِيَّةٌ في شَهْرِ الصَّوْم : المُعْجَمُ اللُّغَويُّ الرَّمَضَانِيّ

  • منذ 3 يوم
  • العراق في العالم
حجم الخط:

 

بقلم : د. حُسَام الدِّين سَمِير

 

 

أُستاذُ العُلُومِ النَّحْوِيَّة واللُّغَويَّة المُشَارِك بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.

يُعَدُّ شهرُ رمضانَ المبارَك مناسبةً روحانية ودينية عظيمة في التَّقويم الإسلاميّ، وهو الشَّهرُ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ الكريم الذي يُمَثِّلُ أعلى تجلياتِ اللغةِ العربيةِ في الفَصَاحَةِ والبَيَان. ومن هذا المنطلق، فإنَّ العلاقةَ بين رمضانَ واللُّغة العربية ليست مجرد تزامنٍ زمنيّ، بل هي علاقةٌ جوهريةٌ تتجلَّى في مجالاتٍ شتَّى، منها النُّصوص القرآنية، والحديث النبويّ الشريف، والشِّعر العربيّ، والخطابة، والكتابات الدِّينية والأدبية.. وإذا تأمَّلنَا العلاقةَ بين هذا الشَّهر الفضيل واللُّغة العربية، نجد أنَّها علاقةٌ وثيقةٌ ومتشعِّبة ذات أبعادٍ ثقافيَّة ولغويَّة متنوِّعة. فشهر رمضان ليس مجرَّدَ موسمٍ للعبادةِ والصِّيام فحسب، بل هو أيضًا موسمُ إحياءٍ للغةِ العربيَّة، وتجديدٌ للصِّلةِ بها عبر تلاوةِ القرآن الكريم، وإحياء التراث اللّغويّ العربيّ الأصيل.

تسعى هذه المقالةُ إلى استكشافِ العلاقةِ المتينةِ بين شهرِ رمضان واللّغة العربية من خلالِ استعراضِ المظاهرِ اللُّغوية المرتبطة بهذا الشَّهر الكريم، ودور القرآن الكريم في إثراءِ هذه العلاقة، فضلًا عن تأثيرِ رمضان على المعجم اللغويّ، وأثره في الخطابِ الأدبيّ والشِّعْرِيّ العربي عبر العصور.

 

الدَّلَالَةُ اللُّغويَّةُ لكلمة “رمضان” :

 

إنَّ استنطاقَ المعاجمِ اللُّغَوِيَّة العربيَّة يكشفُ عن دَلالاتٍ عميقةٍ لكلمةِ (رمضان). فقد أَوْرَدَ ابنُ منظورٍ في “لِسَانِ العَرَب” أنَّ أصلَ كلمةِ (رمضان) مُشْتَقٌّ من “الرَّمْض” وهو شِدَّة الحَرّ. قال : “الرَّمَضُ : شِدَّةُ وَقْعِ الشَّمْسِ عَلَى الرَّمْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الحَرِّ”. وقيل إنَّ الشَّهرَ سُمِّيَ بذلك لأنه كان يوافقُ أيامَ الحَرّ الشَّديد حين وُضعت أسماء الشُّهور في اللُّغة العربية القديمة. [لسان العرب، 7/160]. وفي هذا السِّياق يُورِدُ الإمامُ السُّيوطيُّ في “الدُّرّ المنثور في التَّفسير بالمأثور” حديثًا في سببِ تسمية (رمضان) : حيثُ أخرج ابن مردويه والأصبهانيّ في الترغيب عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” إنَّمَا سُمِّيَ رَمَضَانُ لأنَّ رمضانَ يَرمَضُ الذُّنوبَ”. أي : يُحرِقُها. فالتَّسميةُ إذن تحمل بُعدًا روحيًّا وأخلاقيًّا، يتمثَّلُ في تطهيرِ النَّفْسِ وإحراقِ الذُّنُوب، مما يجعلُ مِنَ الدَّلالةِ اللُّغويةِ لكلمة (رمضان) ذات صلةٍ وثيقةٍ بالمقاصدِ الشَّرعية للصِّيام.

 

القرآن الكريم ورمضان (علاقةٌ لغويةٌ خَاصَّة) :

تتجلَّى العلاقةُ بين اللُّغةِ العربيَّة وشهر رمضان بأبهى صُوَرِهَا من خلالِ نزولِ القرآنِ الكريم في هذا الشَّهر المبارَك. يقول الله تعالى في سورة البقرة : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة : 185]. وقد وَصَفَ اللهُ تَعَالَى القُرآنَ الكريمَ بأنَّه نزلَ بلسانٍ عربيٍّ مبين؛ إذ يقول : ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء : 195]. فاللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ كانت وعاءَ الوحي الإلهيّ، وأداةَ إيصالِ الرّسالةِ السّماوية إلى البشرية. وهذا يدل على أنَّ اللغةَ العربيةَ قد ارتقت في هذا الشَّهر إلى أعلى مستوياتها؛ إذ نزلَ القرآنُ بلغةٍ بليغةٍ تحدَّى اللهُ بها العربَ وهم أهل الفصاحة والبيان. فالقرآنُ الكريم لم يكن مجردَ نصٍّ دينيّ، بل كان معجزةً لغويةً وبيانيّة، أذهلت العربَ بفصاحتها ودقتها وبلاغتها.

 

ويُعَدُّ شهرُ رمضان موسمًا لإحياءِ اللغةِ العربيةِ الفُصحى من خلال : تلاوةِ القرآنِ الكريم؛ حيثُ يحرصُ المسلمون على تلاوةِ القرآنِ في رمضان بشكلٍ مُكَثَّف، مما يُعزِّزُ التَّواصُلَ مع اللُّغَةِ العربيَّة الفُصحى بأرقى أسالِيبها وأبلغِ عباراتِها. كما تنتشرُ في رمضانَ حلقاتُ تفسيرِ القرآنِ الكريم والدّروس الدّينية التي تُسْهِمُ في نَشْرِ المفرداتِ العربيَّة الفَصيحة والتراكيب البلاغيَّة الرَّاقية. كما تُعَدُّ قراءةُ القرآنِ في صلاةِ التَّرَاوِيح فرصةً للاستماعِ إلى اللُّغةِ العربية الفُصحى بتجويدها وأحكامها، مما يُنَمِّي الذَّائِقَةَ اللُّغويَّةَ لدى المستمعين.

 

 

الحديثُ النبوي في رمضان ومظاهر البيان :

إلى جانبِ القرآنِ الكريم، تزخرُ السُّنَّةُ النبويَّةُ بأحاديثَ شريفةٍ تتحدَّث عن فضائلِ شهرِ رمضان، وهي أحاديث تمتازُ بجزالةِ الألفاظِ وسلاسةِ الأسلوب، مما يعكس جماليات اللغة العربية. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : “إذا جاء رمضان، فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّة، وغُلِّقَت أبوابُ النَّار، وصُفِّدَت الشياطين”. (متفق عليه). وفي هذا الحديث، نرى استخدام الاستعارات البلاغية، حيث صوَّر النبيُّ ﷺ رمضان بزمانٍ يُفتح فيه الخير، وتُغلق فيه أبواب الشَّرّ، مما يضفي بُعدًا جماليًّا وبيانيًّا على الكلام.

 

التَّقَالِيدُ اللُّغَوِيَّة الرَّمضانيَّة :

تتجلَّى العلاقةُ بين رمضان واللغة العربية من خلالِ العديدِ مِنَ التَّقَالِيدِ اللُّغَوِيَّة التي تميز هذا الشَّهر الكريم، ومنها :

• التَّهاني الرمضانية : حيثُ تتميز بعباراتٍ خاصة مثل : “رمضان كريم”، و”اللهمَّ بَلِّغْنَا رمضان”، و”كل عام أنتم بخير”.

• الأدعية الرمضانية: مثل دعاء الإفطار : “اللهمَّ إني لك صُمت وعلى رزقك أفطرت”، ودعاء السُّحور وأدعية ليلة القدر.

 

• الأناشيد الرمضانية: التي تتغنى بقدوم الشّهر الفضيل وفضائله، مثل : “رمضان جانا”، و”أهلًا رمضان”.

• الأمثال والحكم الرمضانية: مثل : “صوم رمضان جُنَّة من النَّار”، و”الصَّائم الذي لا يترك قَوْلَ الزُّور والعمل به، ليس لله حاجة في أنْ يَدَعَ طعامَه وشَرَابَه”.

المعجمُ اللُّغويُّ الرمضانيّ :

يَزْخَرُ شهرُ رمضانَ بمعجمٍ لُغَوِيٍّ خاص يتداولُهُ النَّاسُ في أيَّامِهِ الفُضْلَى. فَمِنَ المفرداتِ التي تشيعُ في هذا المعجم :

1). الإمساك: مِنْ “أَمْسَكَ” بمعنى الامتناع عن المُفْطِرَات.

2). الإفطار: مِنْ “فَطَرَ” بمعنى الانقطاع أو الشق، وفي السِّيَاقِ الرَّمَضَانِيّ يعني إنهاء الصِّيام. ورد في “جمهرة اللغة” : “تَقول الْعَرَب : ‌فَطَرَ نابُ الْبَعِير، وشَقَأَ نابُه، وشقّ نابُه، وبَقَلَ وبَزَغَ وصَبَأَ بِمَعْنى وَاحِد. وَقوم فِطْر وَرجل فِطْر من الْإِفْطَار. وَقوم صَوْم وَرجل صَوْم. وَقوم حرَام وَرجل حرَام من الحجّ. قَالَ الشَّاعِر: فقلتُ لَهَا إِنِّي حرامٌ وإنني … إِلَى أَن تُنيلي نائلاً لفَقيرُ. وَأنْشد : فقلتُ لَهَا فيئي إليكِ فإنني … حرامٌ وَإِنِّي بعد ذَاك لبيبُ. أَي مَلَبٍّ. قَالَ أَبُو عُبيدة : يُقَال رجل لَبِيب فِي معنى مُلَبٍّ. [جمهرة اللُّغَة، 3/1252]. و(أَفْطَرَ) الصَّائِم قطع صِيَامه بتناول مُفطراته. و(الْفِطْرُ) الشق، والجَمْع فطور، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز : ﴿فَارْجِع الْبَصَر هَل ترى من فُطور﴾ [المُلْك : 3]. و(الْفِطْر) حبات الْعِنَب أول مَا تبدو، وَيُقَال رجل فطر وَقوم فطر : مفطرون. وَاسم يُطلق على طَائِفَة من اللازهريات مِنْهَا فصائل وأجناس وأنواع عديدة وَتُسَمَّى أَيْضا فطريات، مِنْهَا مَا يُؤْكَل، وَمَا هُوَ سَام، وَمَا هُوَ طفيلي على النَّبَات، وَمِنْهَا الكمأة واحدته فطْرَة، والجَمْع أفطار وفطور، والقليل من اللَّبن حِين يحلب بالسَّبابة والإبهام. و(الفُطُور) مَا يتَنَاوَلهُ الصَّائِم ليفطر عَلَيْهِ بعد غرُوبِ الشَّمْس، وَتَنَاول الوجبة الأولى فِي الصَّباح. [المعجم الوسيط، 2/694]. و (عيد الْفِطْر) الْعِيد الَّذِي يعقب صَوْم رَمَضَان، و (زَكَاة الْفِطْر) صَدَقَة وَاجِبَة يُقَدِّمُهَا الْمُسلمُونَ إِلَى المحتاجين بمناسبةِ عيد الْفِطْر. و(الْفِطْرَة) صَدَقَة الْفِطْر، والخِلْقَة الَّتِي يكون عَلَيْهَا كل مَوْجُود أول خَلْقِهِ، والطَّبيعة السَّليمة لم تُشَب بِعَيْبٍ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيز : ﴿فِطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله﴾ [الرُّوم : 30]، ‌حيثُ فَطَرَ اللهُ الخَلْقَ، وهو فَاطِر السموات : مُبتدعها. وافتطر الأمر: ابتدعه. وفي الحديث الشَّريف :”كُلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفِطْرَة” أيْ على الجِبِلَّةِ القابلة لدِّينِ الحَقّ [أساس البلاغة، 2/28]. والفِطْرة السَّليمة (فِي اصْطِلَاح الفلاسفة) استعدادٌ لإصابةِ الحُكْمِ والتمييز بَين الْحقّ وَالْبَاطِل. و(الفِطْرِيَّة) القَوْل بِأَنَّ الأفكارَ والمبادئ جِبِلِّيَّة وموجودة فِي النَّفس قبل التَّجربة والتَّلقين.

3). السُّحُور: وهو الطَّعَامُ الذي يتناولُهُ الصَّائِمُ قبل الفَجْرِ، مُشْتَقٌّ من “السَّحَر” وهو آخِر اللَّيل قبل طلوع الفجر. وقد جاءَ في “لسان العرب” السَّحُور : طعامُ السَّحَرِ وشرابُه. قَالَ الأَزهري : ‌السَّحور مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَقْتَ السَّحَرِ مِنْ طَعَامٍ أَو لَبَنٍ أَو سَوِيقٍ وضعَ اسْمًا لِمَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ وَقَدْ تَسَحَّرَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الطَّعَامَ أَي أَكلَه، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ ‌السَّحور فِي الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ، وأَكثر مَا رُوِيَ بِالْفَتْحِ؛ وَقِيلَ : الصَّوَابُ بِالضَّمِّ لأَنه بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ وَالْبَرَكَةُ، والأَجر وَالثَّوَابُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ؛ وَتَسَحَّرَ : أَكل ‌السَّحورَ. والسَّحْرُ والسَّحَرُ والسُّحْرُ: مَا الْتَزَقَ بِالْحُلْقُومِ والمَرِيء مِنْ أَعلى الْبَطْنِ. [لسان العرب، 4/351].

 

4). التَّراويح: جمع “تَرْوِيحَة” وهي مِنَ “الرَّاحَة”، سُمِّيَت بذلك لأنَّ المصلِّين كانوا يستريحون بين كُلِّ أربعِ ركعات. جاء في “المِصْبَاحِ المُنِير” : الرَّاحَةُ بَطْنُ الْكَفِّ وَالْجَمْعُ رَاحٌ وَرَاحَاتٌ، وَالرَّاحَةُ زَوَالُ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ، وَأَرَحْتُهُ أَسْقَطْتُ عَنْهُ مَا يَجِدُ مِنْ تَعَبِهِ فَاسْتَرَاحَ، وَقَدْ يُقَالُ أَرَاحَ فِي الْمُطَاوَعَةِ وَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ أَيْ : أَقِمْهَا فَيَكُونُ فِعْلُهَا رَاحَةً؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهَا مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ وَاسْتَرَحْنَا بِفِعْلِهَا، وَصَلَاةُ ‌التَّرَاوِيحِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّرْوِيحَةَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ فَالْمُصَلِّي يَسْتَرِيحُ بَعْدَهَا، وَرَوَّحْتُ بِالْقَوْمِ تَرْوِيحًا صَلَّيْتُ بِهِمْ ‌التَّرَاوِيحَ، وَاسْتَرْوَحَ الْغُصْنُ تَمَايَلَ، وَاسْتَرْوَحَ الرَّجُلُ سَمَرَ. [المِصْبَاح المُنِير، 1/242].

5). القِيَام : ويقصد به قيام الليل في رمضان، من “قام” بمعنى وقف أو انتصب. والقنوت فِي الصَّلَاة : طول ‌الْقِيِام هَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله جلّ وَعز: ﴿وَقومُوا لله قَانِتِينَ﴾ [البقرة : 238]. [جمهرة اللُّغَة، 1/408].

6). الوِصَال: وهو صيام يومين متتاليين دون إفطارٍ بينهما، من “وَصَلَ” بمعنى ضم شيء إلى شيء. جاء في “لسان العرب” لابن منظور : وَاصَلَ حَبْله : كوَصَلَه. والوُصْلَة : الاتِّصال. والوُصْلَة: مَا اتَّصل بِالشَّيْءِ. قَالَ اللَّيْثُ : كلُّ شَيْءٍ اتَّصَل بِشَيْءٍ فَمَا بَيْنَهُمَا وُصْلة، وَالْجَمْعُ وُصَل. وَيُقَالُ : وَصَلَ فُلَانٌ رَحِمَه يَصِلُها صِلَةً. وَبَيْنَهُمَا وُصْلَة أَي اتِّصال وذَرِيعة. ووَصَّلَه تَوْصِيلًا إِذا أَكثر مِنَ الوَصْل، ووَاصَلَه مُوَاصَلَةً ووِصَالًا، وَمِنْهُ المُوَاصَلةُ بِالصَّوْمِ وَغَيْرُهُ. ووَاصَلْت الصِّيام وِصَالًا إِذا لَمْ تُفْطِر أَيامًا تِباعًا؛ وَقَدْ نَهَى النبي، (صلى الله عليه وَسَلَّمَ)، عَنِ الوِصَال فِي الصَّوْمِ وَهُوَ أَن لَا يُفْطِر يَوْمَيْنِ أَو أَيامًا، وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ المُوَاصَلَة فِي الصَّلاة، وَقَالَ : إِنَّ امْرَأً وَاصَلَ فِي الصَّلَاةِ خَرَجَ مِنْهَا صِفْرًا. [لسان العرب، 11/727-728].

هذه المفرداتُ وغيرها تُشَكِّلُ مُعجمًا لغويًّا خاصًّا يرتبطُ بشهر رمضان، ويُثْرِي اللُّغَةَ العربيَّةَ بدلالاتٍ روحانية وثقافية فريدة.

الأدب الرمضاني (تجليات رمضان في الأدب العربي) :

أَثْرَى شهرُ رمضان المبارك الأدبَ العربيّ بنفحاتٍ إيمانية وإبداعات أدبية متنوِّعة، فكان موضوعًا ثريًّا للشُّعراء والأدباء عبر العصور. ومن أبرز النماذج الأدبية المرتبطة برمضان :

الشِّعْرُ الرَّمَضَانيّ :

حيثُ يزخرُ التراثُ الشِّعْرِيُّ العربي بقصائدَ تَغَنَّت برمضانَ وفضائِلِهِ، ومن ذلك قول أحمد شوقي عن الصوم في كتابه “أسواق الذهب” : « الصَّوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع، وكيف ألمه إذا لذع ». أيضًا أشَــــــــار أحمد شوقي إلى أنَّ رمضان لا يتعين أن يقتصر على الصّــــــــيام فقط، حيث قال : بل يتعين علينا الصيام عن العيوب والآثام، فيقول :

يا مديم الصَّوم في الشهر الكريم *** صم عن الغيبة يوما والنمــيم. وقال :

وصَلِّ صلاةَ مَنْ يرجو ويخشى*** وقبل الصوم صم عن كل فحشا.

ولمصطفى صادق الرافعي قصيدة عن رمضان يقول مطلعُها :

فديتــــــــك زائـــــــــــــرًا فـــي كـــــــل عـــــــــــام*** تحيــــــــــــا بالسَّــــــلامَــــــــــــــــــــــةِ والسَّــــــــــــــــــــلامِ.

وعَبَّرَ الشاعر العراقي معروف الرصافي عن صيام رمضان بقوله :

ولو أني استطعتُ صيام دهرى *** لصمت فكان ديدني الصيام.

ولكنى لا أصــــــــــوم صيــــــام قـــــــــــــــــوم *** تكاثــــــــــر في فطورهم الطـــــــــــــــعام.

النَّثْرُ الرمضانيّ :

ظهرت أشكال نثرية متنوعة تدور حول شهر رمضان، منها : الخواطر الرمضانية: التي تُعَبِّرُ عن المشاعر والتأملات الروحانية المرتبطة بالشهر الكريم. والمقالات الدّينية: التي تتناول فضائل رمضان وأحكامه وحِكمه. والقصص الرمضانية: التي تُصَوِّر حياةَ المجتمعات الإسلامية في رمضان. وقد كتب مصطفى صادق الرَّافعي في كتابه “وحي القلم” عن رمضان قائلًا : “رمضان موسم روحاني للنَّفسِ المؤمنة، تنقطعُ فيه عن شهواتها، وتسمو فيه عن مطالبها، وتُخَفِّف من أثقالها، لتخلو إلى معانيها العلوية، وتتصل بأسباب السماء”. [الرَّافعي، مصطفى صادق، وحي القلم، القاهرة : مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة]. أمَّا طه حسين فنقف بجلاء على هذا الحضور الرمضاني الطاغي في كتابه “ألوان” والذي عرض فيه لذكرياته مع الشهر الكريم منذ كان طالبًا في الأزهر الشريف، وكان الطلاب والأساتذة يحصلون على «المسامحة» أي «الإجازة» فيقول : «وكنا نفهم من هذه الكلمة أنَّ النظام الأزهري أو المدرسي يُسامح المعلمين والمُتعلمين، ويأذن لهم في أن يستريحوا من جهد الدرس ومَشقة الطلب وخُشونة الحياة، وفى أن يعودوا إلى أهلهم في المدن والقرى، ليجدوا عندهم أيامًا فارغة، تستريح فيها العقول، وتنمو فيها الأجسام، وتستمتع فيها النفوس بشيء من الرَّوح والهدوء».

تأثير رمضان في تعزيز اللغة العربية المعاصرة :

يُسهمُ شهر رمضان في تعزيز اللغة العربية الفصحى في العصر الحديث من خلال :

 البرامج الدّينية : التي تُبث عبر وسائل الإعلام المختلفة وتستخدم اللغة العربية الفصحى في تقديم المحتوى الديني.

 المسابقات القرآنية: التي تشجع على حفـــــظ القرآن الكريم وتجويده، مما يعزز التعامل مع اللغة العربية الفصحى.

 المنتديات الثقافية الرمضانية: التي تقدم محاضرات وندوات تستخدم اللغة العربية الفصحى في تناول قضايا فكرية ودينية.

 الأدب الرقمي الرمضاني: انتشار المحتوى الرقمي الذي يتناول موضوعات رمضانية باللغة العربية الفصحى عبر منصات التواصل الاجتماعي.

إنَّ العلاقةَ بين شهر رمضان واللغة العربية علاقة تكاملية وثيقة؛ فرمضان شهر نزول القرآن الكريم باللغة العربية الفصحى، وهو موسم لإحياء هذه اللغة وتجديد الصلة بها. وفي المقابل، تقدم اللغة العربية وعاءً لغويًّا ثريًّا للتعبير عن روحانيات هذا الشهر الكريم وفضائله.

 

وعلى الرغم من التحديات المعاصرة، فإن شهر رمضان ما زال يشكل فرصة سنوية لتجديد الصلة باللغة العربية الفصحى والاحتفاء بها كلغة القرآن الكريم ولغة الضّاد الخالدة. ويبقى التحدي الأكبر أمام المجتمعات العربية والإسلامية هو كيفية تعزيز هذه العلاقة واستثمارها في خدمة اللغة العربية والحفاظ على أصالتها وخصوصيتها في عصر العولمة والتغيرات المتسارعة.

 

 



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>