تسوية القضية الكردية في تركيا

ترك برس

تسوية القضية الكردية في تركيا

  • منذ 19 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:
د. أحمد أويصال - الشرق
يعيش معظم الأكراد في تركيا، وقد اختلطوا بالأتراك منذ اعتناقهم الإسلام. وكانت هناك علاقات طيبة بينهم في التاريخ. ومؤسسو الجمهورية التركية الجديدة حاولوا خلق أمة علمانية متجانسة بفرض قيود مشددة على مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية. ولم تقتصر هذه الإجراءات على هيكلة الدولة، بل شملت أيضًا الأكراد، إذ مُنعت لغتهم وثقافتهم، مما جعلهم يواجهون تمييزًا مزدوجًا، سواء بسبب انتمائهم العرقي أو لكون معظمهم متدينين. وأسفر هذا التوجه القومي المتشدد عن ردود فعل عكسية، تجسدت في تصاعد النزعة القومية الكردية. ومع نهاية السبعينيات، برز حزب العمال الكردستاني كرد فعل متطرف على هذه السياسات، مستغلًا المناخ السياسي القمعي الذي أعقب انقلاب 1980 لتعزيز نفوذه وتوسيع نطاق تأثيره.
* رغم وجود تيارات أكثر اعتدالًا داخل القومية الكردية، إلا أن كلًّا من الوصاية العسكرية وحزب العمال الكردستاني (PKK) عمدا إلى إقصائها، حيث جرّمت الأولى جميع المطالب الكردية، بينما رفض الأخير أي بديل للكفاح المسلح. كما استُغل تهديد الإرهاب ذريعةً لتعزيز نفوذ المؤسسة العسكرية في تركيا. وزاد المشهد تعقيدًا الدعم الخارجي الذي تلقاه حزب العمال الكردستاني من جهات عدة، مثل نظام الأسد والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وإيران، مما صعّب إيجاد حل للقضية. إلا أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم مطلع الألفية الثالثة ساهم في معالجة العديد من المشكلات الجوهرية، عبر الاعتراف بالحقوق الثقافية، وإجراء إصلاحات ديمقراطية واقتصادية. وكان العامل الحاسم في نجاح هذه الجهود هو تمكن الرئيس أردوغان من فرض السيطرة على المؤسسة العسكرية، مما حدَّ من قدرتها على عرقلة الإصلاحات.
* خلال المحاولة السابقة للمصالحة عام 2013، كانت الوصاية العسكرية لا تزال قائمة، كما تعرضت جهود المصالحة الوطنية للتخريب من قبل إدارة أوباما، التي وعدت حزب العمال الكردستاني (PKK) بدولة مستقلة في شمال سوريا. في ذلك الوقت، كانت الأحزاب القومية والعلمانية المعارضة تعارض هذه المصالحة. أما اليوم، فقد أصبحت المعارضة تدعم مسار المصالحة، بل إن زعيم الحزب القومي، دولت بهجلي، دعا إلى استئناف هذه العملية، وقد استجاب زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، عبد الله أوجلان، بشكل إيجابي، داعيًا إلى التخلي عن الكفاح المسلح وحل الحزب. كما وافقت قيادة حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل على الالتزام بهذا الطرح. والأهم من ذلك، أن هذه العملية جاءت عقب نجاح تركيا في محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني داخل أراضيها وخارجها، خصوصًا في سوريا والعراق.
* تُعتبر هذه المرحلة بداية فترة جديدة في تركيا حيث يتم حل مشكلة عمرها 40 عامًا، والتي أودت بحياة 40 ألف شخص من الجانبين وتسببت في خسائر مالية ضخمة. في ظل السياق العالمي المضطرب، يعد تعزيز الوحدة الوطنية مكسبًا كبيرًا لتركيا وللتحالف الحاكم بقيادة أردوغان. أما المستفيدون الآخرون فهم الأكراد الذين كانوا في موقف حرج بين الإرهاب والانتماء إلى تركيا قوية ومستقرة. أظهرت العديد من الانتخابات أن نصف الناخبين الأكراد كانوا يصوتون للأحزاب المؤيدة لحزب العمال الكردستاني، بينما صوت النصف الآخر لحزب العدالة والتنمية. واليوم نرى تصالحًا بين القوميين الأتراك والأكراد. وبالطبع، هناك بعض الأحزاب القومية التي تعارض هذه العملية، لكنها تمثل أقلية.
* ستنعكس هذه العملية على السياسة الداخلية حيث ستشكل ضربة أخرى للعلمانية التقليدية لأن المصالحة الجديدة تقوم على خلفية أكثر ديمقراطية وحضارية. وفي حال نجاحها، فإنها ستعطل تحالف المعارضة العلمانية بين حزبي الشعب الجمهوري والديمقراطي الديمقراطي. وسيتمكن أردوغان من كسب الحزب الكردي إلى ائتلافه الحاكم لكتابة دستور ديمقراطي جديد من قبل المدنيين للسماح بمشاركة سياسية شاملة، وسيقلل من الاستقطاب الأيديولوجي. كما أكد كل من بهجلي وأوجلان، فإن السياسة التركية لن تكون بعد الآن مظللة بالإرهاب ومخاوف الانقسامات.
* ستكون للمصالحة الوطنية التركية تداعيات هامة في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق. فقد شهدت العلاقات بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق توترًا بسبب وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، خصوصًا بعد استفتاء الاستقلال الذي أجراه الإقليم. قريبًا، سيقوم حزب العمال الكردستاني في تلك المنطقة بتسليم أسلحته وسيتم دمجه في مجتمعاته. ستستفيد حكومة إقليم كردستان والعراق من هذا السلام، وستتحسن علاقاتهما مع تركيا. كما ستنعكس هذه التطورات على سوريا الجديدة، حيث تبتعد قوات سوريا الديمقراطية عن حزب العمال الكردستاني. الآن، تتاح الفرصة للمصالحة داخل سوريا لتسليم الأسلحة والاندماج في سوريا الجديدة كمواطنين متساوين. بالطبع، لن يكون هذا الأمر مقبولًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تدعمان حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. لكن التاريخ سيستمر في مساره الطبيعي، وستظل روح الأخوة هي السائدة في تركيا والمنطقة.

عن الكاتب

د. أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول




عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>