عن لغز المطالبة بتقسيم العراق

العربي الجديد

عن لغز المطالبة بتقسيم العراق

  • منذ 11 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:

عادت إلى الواجهة نغمة المطالبة بتقسيم العراق إلى أقاليم، وحتى إلى دول، وهي تخفُت وتتصاعد ثم تخفُت وتتصاعد على وقع ما يحدُث من مناورات ومماحكات بين أفراد "النخبة" الحاكمة، ولا علاقة لها بهموم الناس العاديين ومصالحهم. ولم تصدر المطالبة هذه المرّة كما في كل مرّة سابقة من قيادات كردية أو سنّية، بل صدرت من عرّاب "الإطار التنسيقي" الشيعي وزعيم حزب الدعوة نوري المالكي، مستنداً في طروحاته على أن الشيعة قد يُجبرون على تقسيم العراق (يُجبرون ممّن، وهم الذين يحكمون العراق اليوم، ويتحكمون فيه؟)، وملوحا بأنهم في هذه الحال سوف ينفردون بالسيطرة على النفط، وهو من حقهم، بحسب زعمه!

وفور إطلاق المالكي مطالبته هذه، انطلقت "جوقة" الإطار التنسيقي في مسعى محموم إلى تبنّي مطلب المالكي والتثنية عليه. وفي رأي برلماني من الإطار الحاكم، "الشيعة يتعرّضون للابتزاز من باقي المكوّنات"، وهذا ما يدفع إلى المطالبة بـ"الاستقلال الشيعي الذي يضم تسع محافظات".

ومثل "إطاري" آخر رفع شعار "حقّ تقرير المصير"، راسما الطريق نحو استفتاء شعبي لإقامة ما سمّاها "جمهورية العراق الشيعي"، وأن يتم انفصال الأكراد أيضا في دولة، ويذهب السنة، هم الآخرون، لإنشاء دولة، و"يكون الجميع أحراراً بطبيعة حكمهم على أوطانهم الجديدة"!

تشعر إيران بعد الهزيمة التي لحقت بها بالحاجة إلى تكييف وضع جديد يضمن استمرار هيمنتها على العراق

وكلام كثير من آخرين يصبّ في الاتجاه نفسه، وهم في ذلك يسوقون مزاعمهم في منعطفٍ يتلاشى فيه مفهوم الحقيقة الموضوعية، لكي تصبح الأكاذيب بعده جزءاً من التاريخ (لا بد أن نذكر هنا بالخير جورج أورويل الذي أفادنا بذلك في وصفه عصره). ويعكس الكلام الكثير الذي رصدناه حملة منظمة لترويج فكرة التقسيم موحى بها من جهاتٍ خارجيةٍ، في مقدّمتها إيران، ترتبط خيوطها بالهزيمة النكراء التي لحقت بالمشروع الإمبراطوري الإيراني ومحور الممانعة، وخسارتها ركائزها الجيوسياسية في المنطقة. وهذا هو سر اللغز وراء تصاعد المطالبة بتقسيم العراق من شيعة الحكم، إذ دأبت إيران على اعتبار العراق بمثابة التابع المطيع لها، منذ تمكّنت من فرض هيمنتها على البلاد بعد الغزو الأميركي الذي أتاح لها ذلك، وإن كان المخطّط الذي رسمه قاسم سليماني، مهندس العمليات الإيرانية في الخارج والمسؤول عن الملف العراقي، لم يكن يروّج مشروع الأقاليم، لقناعته بأن أطروحة كهذه قد تنتقل إلى إيران نفسها التي تضم قومياتٍ وأعراقاً ومجموعات دينية ومذهبية عديدة. وربما تستهوي هذه المكوّنات فكرة الأقاليم، تعبيراً عن طموحها للحصول على حقوقها القومية، خاصة وقد دأب نظام طهران على التنكّر لتلك الحقوق، وقمع من يطالب بها، إضافة إلى أن سليماني نفسه كان يحلم بأن يجيء اليوم الذي تبتلع فيه دولة "الولي الفقيه" العراق كله، ليشكل "المحافظة الثانية والثلاثين"، وكان يمهد الطريق إلى ذلك بعمله على إيجاد تابعين من السنة، ومن مكوّنات أخرى يعمل على تطمين مصالحهم وطموحاتهم، وعقد تحالفات وتوافقات معهم، أو زجّهم في "توليفة" حكومة بغداد، بما يتفق، في نهاية المطاف، مع النظرة الاستراتيجية التي يعمل لها. وإلى ذلك، كان شيعة الحكم دائماً يهاجمون طروحات التقسيم ومشاريع الأقاليم، ويتصدّون لها، وهذا ما فعلوه في مواجهة استفتاء الاستقلال السيئ الصيت الذي نفّذه حكّام كردستان في حينه.

كان شيعة الحكم دائماً يهاجمون طروحات التقسيم ومشاريع الأقاليم، ويتصدّون لها

لكن وقائع الحال الماثل تظهر أن الأمر اختلف اليوم بالنسبة لإيران، إذ تشعر بعد الهزيمة التي لحقت بها بالحاجة إلى تكييف وضع جديد يضمن استمرار هيمنتها على العراق موقعاً متقدّماً في استراتيجيتها الأمنية، ويؤسّس لوضع مستقبلي يسهّل على دولة "ولاية الفقيه" قضم العراق قطعة قطعة، بعدما تراجعت إمكانية ابتلاعه دفعة واحدة. وهكذا تبدو فكرة "الإقليم الشيعي" الذي يضم تسع محافظات، إذا ما قدّر لها أن تتحقّق، بمثابة الخطوة الأولى نحو تكريس دخول العراق عمليا في "الجيوبوليتيك" الذي تعتمده إيران. ويشكّل هذا كله سرّ اللغز الذي جعل قادة "الإطار التنسيقي" يستديرون 180 درجة، ويطلقون حملتهم المشبوهة في الدعوة إلى تقسيم العراق إلى أقاليم، وحتى إلى دول.

بقي أن نسأل: كيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذا المطلب، وهي الراعية الأولى للعراق، والحريصة على بقائه ضمن ممتلكاتها، وبعدما أنفقت أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وضحت بآلاف العساكر؟ ... وعلى وقع الجواب يتضح ما هو حاصل.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>