وارث كويش: منحة الحكومة جزء من خطة لإنعاش السينما في العراق
خصّصت الحكومة العراقية مبلغاً كبيراً منحةً لدعم السينما العراقية، وهذا لاقى ترحيباً من السينمائيين العراقيين، الذين شَكَوا دائماً غياب الحكومة، ممثّلةً بالمؤسّسات الفنية العراقية، عن دعم المشاريع السينمائية. وشُكّلت فوراً لجنة، برعاية وزارة الثقافة، لغربلة المشاريع والسيناريوهات السينمائية، وانتقاء بعضها للمنافسة على هذه المنحة. كما ستُعزّز المبادرة حضورها بمشاركة رسمية في جناح العراق، في سوق الدورة الـ78 (13 ـ 24 مايو/أيار 2025) لمهرجان كانّ السينمائي. حول هذا الموضوع، قال مقرّر اللجنة والسينمائي العراقي وارث كويش إن هذه المبادرة جاءت استجابة مباشرة لمطالب المخرجين والمنتجين وكتّاب السيناريو، الذين يعانون قلة التمويل وانعدام الإنتاج، ما أدى إلى تراجع النشاط السينمائي في البلاد خلال السنوات الماضية.
وأضاف وارث كويش في حديث مع "العربي الجديد" أن "المنحة المقدمة من رئاسة الوزراء تعكس التزاماً حقيقياً بإعادة إحياء الصناعة السينمائية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والإدارية التي حالت دون تحقيق تطلعات صناع السينما العراقيين"، مشيراً إلى أن "غياب التمويل وقلة الخبرة في الترويج الدولي جعلا من الصعب على المبدعين العراقيين تحقيق انتشار عالمي لأعمالهم، رغم بعض النجاحات الفردية التي استطاع عدد من المخرجين تحقيقها".
ولضمان حسن إدارة المنحة وتوزيعها بشكل عادل، أوضح كويش أنه تم تشكيل لجنة تحت إشراف وزارة الثقافة، تُعنى بغربلة المشاريع والسيناريوهات واختيار الأعمال التي تستحق الدعم وفق معايير فنية وثقافية محددة. وبيّن أن "المبادرة لا تقتصر على الأفلام الروائية الطويلة، بل تشمل أيضاً الأفلام الوثائقية، القصيرة والطويلة، إلى جانب المشاريع في مرحلة التطوير، ما يعكس رغبة حقيقية في تحفيز مختلف أنماط الإنتاج السينمائي في العراق".
وحول أهمية استمرار الدعم، أوضح كويش أن السينما العراقية تعاني منذ عقود غياب الاستراتيجية الواضحة لتمويل الإنتاج السينمائي، ما أدى إلى عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في الأفلام المحلية، نظراً إلى غياب سوق نشطة قادرة على تحقيق عوائد مالية مجزية. وأشار إلى أن "المبادرة الحالية تفتح الباب أمام تشجيع القطاع الخاص للانخراط في الإنتاج السينمائي، من خلال توفير منح حكومية تقلل من المخاطر الاستثمارية وتشجع الشراكات الإنتاجية".
كما أضاف أن "الدعم الحكومي لا يقتصر فقط على التمويل المباشر، بل يشمل أيضاً توفير تسهيلات لوجستية وإدارية من شأنها تسريع عمليات التصوير والإنتاج، إلى جانب توفير بيئة قانونية ملائمة تضمن حقوق المبدعين وتساعد في تسويق الأفلام العراقية محلياً وعالمياً".
وفي سياق متصل، أكد وارث كويش أن "العراق سيشارك رسمياً في سوق الدورة الـ78 من مهرجان كانّ السينمائي (13 ـ 24 مايو/أيار 2025)، عبر جناح خاص يعكس توجه الحكومة نحو تمكين صناع السينما محلياً ودولياً"، معتبراً أن "هذه المشاركة من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع المؤسسات السينمائية العالمية، وتسهم في تسليط الضوء على السينما العراقية في المحافل الدولية".
وأشار كويش إلى أن السينما العراقية لا تزال تواجه تحديات على مستوى التوزيع والترويج، إذ إن معظم الأفلام العراقية التي يتم إنتاجها لا تحظى بعروض تجارية واسعة، سواء داخل العراق أو خارجه. وقال: "لهذا السبب، لا بد من التفكير في استراتيجية متكاملة لدعم التوزيع السينمائي، من خلال عقد شراكات مع دور العرض والموزعين العالميين، وتنظيم مهرجانات سينمائية محلية تساهم في إبراز الأعمال العراقية وتعريف الجمهور بها".
وعن آلية عمل اللجنة المشرفة على المنحة، أوضح كويش أنها "تعتمد على إجراءات شفافة ومنظمة، بدءاً من الإعلان عن فتح باب التقديم عبر قنوات مختلفة، وصولاً إلى مرحلة التقييم التي تُجرى وفق معايير واضحة تشمل الجودة الفنية، والأثر الثقافي المتوقع، والجدوى الاقتصادية". وأضاف أن "اللجنة التي تضم خبراء في مجالات الإخراج والتصوير والسيناريو والإنتاج، لا تكتفي باختيار المشاريع، بل تتابع تنفيذها لضمان استخدامها للدعم بشكل صحيح، ما يعزز فرص خروج أفلام عراقية بمعايير احترافية عالية".
إلى جانب ذلك، شدد وارث كويش على أهمية توفير برامج تدريبية وورش عمل للسينمائيين العراقيين، مشيراً إلى أن "الدعم المالي لا يمكن أن يكون كافياً إذا لم يُرافقه تطوير مهارات المخرجين والفنيين، خاصة في ظل التطورات التقنية المتسارعة في صناعة السينما العالمية". وأوضح أن "هناك حاجة ملحّة إلى تمكين صناع السينما العراقيين من استخدام أحدث التقنيات في التصوير والمونتاج، إضافة إلى تشجيعهم على تطوير أساليبهم السردية لتقديم أفلام تنافس على المستوى الدولي".
وفي ختام حديثه، شدد كويش على أن "هذه المبادرة تشكل خطوة أساسية في بناء صناعة سينمائية مستدامة في العراق"، مضيفاً أنه "إلى جانب الدعم المالي، تسعى الحكومة إلى تأهيل البنية التحتية للسينما، ودعم الأجيال الجديدة من المخرجين، وخلق بيئة مواتية للإبداع السينمائي". واعتبر أن "المبادرة تفتح الباب أمام الشباب العراقيين لخوض غمار صناعة السينما، وتعزز الهوية الثقافية العراقية عبر أعمال قادرة على الوصول إلى الجمهور العالمي".
بهذا التوجه، يرى كويش أن "المبادرة لا تبدو مجرد محاولة قصيرة المدى، بل هي خطوة أولى في مسار طويل لإعادة السينما العراقية إلى واجهة المشهد العربي والدولي، من خلال سياسات دعم تُرسّخ ثقافة سينمائية قوية ومستدامة".