العراق في مواجهة الصيف الخطر

العربي الجديد

العراق في مواجهة الصيف الخطر

  • منذ 19 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:

لا يختلف رجال التركيبة الحاكمة في العراق وخصومهم في توصيف ما قد يواجهه العراقيون في الأمد القريب بأنه "صيف خطر"، وأن حجم المواجهة سيكون كبير الكلفة، ليس عليهم فقط وإنما على العراقيين جميعا، وبخاصة على الفقراء المهمومين بالبحث عن أبسط مقوّمات العيش الكريم التي افتقدوها بفعل السياسات الخاطئة التي انتهجها حكّامهم، والذين ينتظرهم صيف حارّ، وبلا كهرباء.

ومن الطبيعي أن يتعرّض العراقيون لمواجهة حادّة وقاسية من هذا النوع، بعدما قدّر لبلدهم أن يُؤخَذ عنوةً إلى مصيرٍ محفوفٍ بالمكاره من أطرافٍ خارجيةٍ تقاسمت النفوذ والهيمنة فيه أكثر من 22 عاماً، وجعلته أسير لعبةٍ معقّدة أفقدته قدرته على الفعل والتأثير، وأغرقته في خضم أزماتٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ أصبح الخلاص منها أشبه بمعجزة.

إلى ذلك، يلعب الصراع المكشوف بين الولايات المتحدة وإيران دورَه في إذكاء الوقود على الوضع العراقي بما يزيد من هشاشته وضعفه، كما ينعكس على العراقيين بالضرورة ما يريده الأميركيون من الإيرانيين، وما يطمع الأخيرون في الحصول عليه من الأميركيين، فضلا عن أن الظروف الإقليمية والدولية التي نشأت بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبعد مجيء الإدارة الجمهورية إلى الحكم في واشنطن، جعلت كل مشكلات المنطقة معلّقة بعضها ببعض بخيوطٍ يستحيل فكّها.

هذا ما جعل "المسألة العراقية" تعاني مما هو أبعد من التجاذب بين الطرفين المهيمنين على البلاد، وسوف يُصبح كل ما ينجم بينهما لاحقا من حرب أو سلم ممتدا الى بغداد بحكم الأمر الواقع، وبقوة الأشياء، وأيضا لعدم وجود دولةٍ على أرض العراق تتمتع بسيادة حقيقية، واستقلال ناجز، وقدرة على الفعل.

لم تدرك حكومة بغداد بعد أن العالم من حولها قد تغيّر، وأن العاصفة هذه المرّة لن تمر بسلام

كل السيناريوهات السوداء محتملةٌ بالنسبة لبغداد، وخاصة أن التركيبة السياسية الحالية ليست لديها القدرة، ولا الإرادة، ولا حتى الشعور بالمسؤولية لإنقاذ البلاد والعباد من المخاطر الماثلة، حيث يزداد المشهد السياسي قتامة، ولا تبدو ثمّة بقعة ضوء حتى ولو في آخر النفق.

وربما تعيننا مراجعة الرسائل التي تبودلت بين واشنطن وطهران، وكذلك بين واشنطن وبغداد، وبين بغداد وطهران، في تحديد ملامح المرحلة، ورسم مآلاتها، فقد اشترطت واشنطن وقف إيران نشاطاتها النووية، والتخلي عن الصواريخ البالستية ذات الطبيعة الهجومية، وتفكيك أذرعها في المنطقة، كما طلبت من بغداد النأي بنفسها عن طهران، ووقف عمليات تمويل الاقتصاد الإيراني بالدولار التي تجري بطرقٍ احتيالية مكشوفة، وحل المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري، والتي أخذت قرار الحرب والسلم من الدولة، ومليشيا الحوثي التي تقيم مقرّات تدريبٍ لها في العراق، وكذلك إعطاء فرص للشركات الأميركية للعمل في العراق. وفي مكالمة هاتفية له مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أخيراً، نقل وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إنذاراً بوجوب تنفيذ هذه المطالب. وقرنت واشنطن رسائلها بالتهديد والوعيد، ما دفع أصواتاً عاقلة في العراق وإيران إلى أن تدعو إلى الانحناء أمام العاصفة، والسعي إلى الخروج بأقلّ الخسارات، وهذا ما تحاول طهران أن تسلكه، بعدما شعرت بأنه "ليس في كل مرة تسلم الجرّة"، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يبلغ به الحُمق حد إشعال النار في طهران نفسها، وهو الذي لم يتردّد في وصف نفسه مرّة بأنه "رجل مجنون"، على حد ما ذكرته مجلة الفورين أفيرز.

عند هذا المنعطف الصعب، أعلن المرشد الأعلى علي خامنئي براءة بلاده من "وكلائها" في المنطقة، وعرض استعدادها للتفاوض مع "الشيطان الأكبر" فيما أرسل إلى بغداد قائد فيلق القدس والمشرف على الملف العراقي إسماعيل قاآني لإبلاغ المليشيات قراره بالكفّ عن استفزاز الولايات المتحدة في المرحلة الحاضرة، وعدم القيام بأي أنشطة عسكرية. أما حكومة بغداد فقد ظلت على حالها، متردّدة، خانعة، مستسلمة، واضعة نفسها في المنطقة الرمادية، ومعتقدةً أن سياسة "مسك العصا من الوسط" ستُنجيها مما ينتظرها، وهي لم تدرك بعد أن العالم من حولها قد تغيّر، وأن العاصفة هذه المرّة لن تمر بسلام، وأن واشنطن مصمّمة على فرض رؤيتها من خلال تحكّمها بقواعد اللعبة، ولم يبق أمام بغداد ما تفعله سوى الانصياع لحكم الضرورة، وتناول كأس السم، والقبول بما هو مطلوب منها، فهل ستفعل ذلك وقد وصلت النار إلى أطرافها؟



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>