وبين الترانيم والصلوات، عادت الذاكرة إلى كنائس العراق وأزقته القديمة، حيث للأعياد طعم مختلف لا يشبهه مكان آخر، رغم تغير الجغرافيا وبقاء الإيمان والهوية حاضرين في القلوب.
في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، يحتفل المسيحيون حول العالم بذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، في مناسبة دينية وإنسانية عريقة تعود جذورها إلى القرن الرابع الميلادي، حين جرى اعتماد هذا التاريخ رسميا للاحتفال بهذه الذكرى.
قالت جائز صبيح، وهي مسيحية عراقية كانت مغتربة، في حديث لـ"سبوتنيك"، إن "العراق يشهد اليوم حالة جديدة من المحبة والسلام، مشيرة إلى أن مستوى الأمان تحسن بشكل كبير، ما انعكس على استقرار المجتمع وعودة مختلف المكونات والجاليات إلى البلاد".
وأوضحت صبيح، أن هذا الاستقرار الأمني شجع الزائرين من داخل العراق وخارجه، خصوصا خلال مواسم الزيارات الدينية، لافتة إلى أن البلاد تستقبل سنويا أعدادا كبيرة من الزائرين لزيارة المراقد الدينية والمساجد والكنائس، في مشهد يعكس روح التعايش بين الأديان.
وأضافت أن العراق يعد مهدا للحضارات وموطنا لأقدم الديانات، مبينة أن أقدم كنيسة وأقدم نبي وأقدم جامع تعود جذورها إلى أرض العراق، ما يجعله بلدا يحتضن جميع الأديان والطوائف عبر التاريخ.
وختمت صبيح، بالقول: إن "العراق يمتلك كل المقومات ليكون قبلة دينية وإنسانية لكل شعوب العالم، ومثالا حيا على التعايش السلمي بين مختلف الأديان والمكونات".
ويضم العراق 14 طائفة مسيحية معترفا بها رسميا، يتركز وجودها في بغداد ومحافظة نينوى ومناطق شمال البلاد وإقليم كردستان، وتعد طوائف الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن الأكثر انتشارا.
صعوبات المسيحين في العراق
في المقابل، قال خادم الإنجيلية السير إلياس: إن الشعب العراقي،
بمختلف مكوناته الدينية من مسلمين ومسيحيين، مر بظروف قاسية شملت الحروب والحصار والهجرة القسرية، مؤكدًا أن هذه المعاناة دفعت أعداداً كبيرة من العراقيين إلى مغادرة البلاد بحثا عن الأمان.
وأضاف إلياس، في حديث لـ"سبوتنك"، أن العديد من العراقيين واجهوا صعوبات حتى في الهجرة، بعد رفض طلباتهم من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية، ما اضطرهم إلى البقاء في محطات انتظار خارج البلاد أو العودة مجددا إلى العراق، مشيرا إلى أن هذه التجارب عززت لدى الكثيرين قناعة بضرورة العيش بسلام داخل وطنهم.
ودعا خادم الإنجيلية العراقيين، مسلمين ومسيحيين، إلى تعزيز قيم المحبة والسلام والتعايش، مبينا أن رسالة السيد المسيح عليه السلام تقوم على السلام والرحمة والتكفير عن خطايا البشر، وهي قيم إنسانية سامية يمكن أن تسهم في ترسيخ الاستقرار المجتمعي.
وأشار إلى أن السلام الحقيقي، بحسب تعبيره، ينبع من الإيمان بالمحبة والرحمة المجانية، معتبرا أن إدراك هذه القيم ونشرها بين أبناء الشعب العراقي من شأنه أن يرسخ ثقافة السلام ويعزز فرص العيش المشترك بين جميع المكونات.
وختم بالقول إن العراق يمتلك القدرة على النهوض من جديد إذا ما تعززت قيم التسامح والتفاهم، ليكون بلدا آمنا يحتضن جميع أبنائه دون تمييز.
دعوات لعودة المسيحيين إلى العراق
بينما تدعو إيلين يوسف، وهي مسيحية عراقية، أبناء الجاليات العراقية في الخارج إلى العودة إلى الوطن، معربة عن أمنيتها بعودة جميع أفراد عائلتها وأقاربها إلى العراق، مؤكدة أن الأوضاع في البلاد، ولا سيما في بغداد، شهدت تحسنا ملحوظا على مستوى الأمن والاستقرار.
وفي حديث لـ"سبوتنيك"، قالت يوسف: إن بغداد أصبحت اليوم مدينة آمنة وجميلة، يسودها الشعور بالأمان، مشيرة إلى أن روح المحبة والتعايش ما زالت حاضرة كما كانت دائمًا بين أبناء المجتمع العراقي.
وترى أن بعض وسائل الإعلام تنقل أحيانا صورة غير دقيقة عن الواقع في العراق، ما يخلق مخاوف غير مبررة لدى المغتربين، داعية إياهم إلى زيارة البلاد والاطلاع بأنفسهم على حقيقة الأوضاع في بغداد وبقية المحافظات.
وتؤكد أن العراق هو أرض الجذور والحضارات، وهو الوطن الذي عاش فيه الأجداد وأسهموا في بناء تاريخه، مشددة على أن الانتماء إلى هذه الأرض يشكل دافعا قويا للعودة والمشاركة في إعادة إعمارها.
وتتابع يوسف، حديثها بالقول إن العراق يبقى بيتا جامعا لجميع أبنائه،
بمختلف أديانهم ومكوناتهم، وقادراً على احتضانهم من جديد في أجواء من الأمن والاستقرار.
ووفقا لتقرير صادر عن مفوضية حقوق الإنسان في العراق، في آذار/مارس 2021، تراجع عدد المسيحيين في البلاد إلى نحو 250 ألف نسمة فقط، بعد أن كان يقارب 1.5 مليون قبل عام 2003.
ويذكر التقرير أن الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2014 شهدت مقتل 1315 مسيحيا، إلى جانب نزوح قرابة 130 ألف شخص، واختطاف 161 آخرين خلال سيطرة تنظيم "داعش" (تنظيم إرهابي محظورة في روسيا ودول عدة) على مدينة الموصل بين عامي 2014 و2017.