القصف الإيراني لأربيل يُضعف مطلب الانسحاب الأميركي من العراق

العربي الجديد

القصف الإيراني لأربيل يُضعف مطلب الانسحاب الأميركي من العراق

  • منذ 3 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:

عزّز القصف الإيراني لأربيل وهي عاصمة إقليم كردستان العراق، والذي نُفذّ ليل الاثنين - الثلاثاء وتبناه "الحرس الثوري الإيراني"، من موقف القوى المُتحفظة على قضية الانسحاب الأميركي من العراق في الوقت الحالي، والتي يرى بعضها أن هذا الوجود له بُعد سياسي أكثر من مسألة الدعم الأمني والعسكري للبلاد. وخلّف الهجوم الصاروخي 5 قتلى و6 جرحى من المدنيين، وسبّب موجة غضب شعبية وسياسية واسعة في البلاد، لا سيما في إقليم كردستان العراق الذي يضمّ قاعدة للتحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة أميركية.

العراق يشكو القصف الإيراني لأربيل إلى مجلس الأمن

وأعلن العراق، أمس الأربعاء، أنه تقدّم بشكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة تتعلق بالقصف الإيراني لأربيل. وأوضح بيان للخارجية العراقية أن الشكوى رفعت بموجب رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ورئاسة مجلس الأمن عبر الممثلية العراقية الدائمة في نيويورك، وأكدت فيهما أن هذا القصف يعد انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وأمن الشعب العراقي.

وقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أمس، إن بلاده تدفع ضريبة ما سماه "التوترات" بين الولايات المتحدة وإيران، مؤكداً من منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا، أن الشكوى التي قدّمتها بغداد إلى مجلس الأمن، حظيت بمساندة كبيرة داخل الدول الأعضاء في المجلس.

فؤاد حسين: نتفاوض مع إدارة بايدن لبدء المفاوضات حول الانسحاب، والأمر متروك لهم

وحول الوجود الأميركي في العراق، قال حسين: "إننا نتفاوض مع إدارة الرئيس جو بايدن لبدء المفاوضات، لذلك نحن نتفاوض حول كيفية البدء". وأضاف: "أعتقد أننا توصلنا إلى بعض الخطوات الإيجابية وآمل أن نتمكن خلال فترة قصيرة من الإعلان عن الموعد الذي سنبدأ فيه هذه العملية (التفاوض)"، مبيناً أنه "بعد ذلك بالطبع، يمكننا مناقشة الأمور المتعلقة بالقوات الأميركية أو القوات المتحالفة داخل العراق، ومتى يمكنهم المضي قدماً، وكيف ستتم معاملتهم داخل العراق، وكيف يمكننا إقامة علاقة ثنائية مع كل هذه الدول". وأضاف: "الأمر متروك للأميركيين، إذا وافقوا على بدء المفاوضات، فنحن مستعدون للبدء غداً".

وشدّد وزير الخارجية العراقي على أن بغداد "تريد أن تكون لديها علاقة جيدة واستراتيجية للغاية مع الولايات المتحدة، لكننا نريد أن تكون لدينا علاقة صحية وطبيعية بين البلدين، ولهذا السبب نبدأ عملية تفاوض جديدة. والمكان الأول هو الإعلان عن أن ذلك سيكون في مصلحة البلدين، وسيكون في مصلحة المنطقة أيضاً".

من جهتها، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر لها أن رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور البارزاني ألغى اجتماعاً مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على هامش منتدى دافوس الاقتصادي احتجاجاً على القصف الإيراني لأربيل. أما في طهران، فقد قال وزير الدفاع العميد محمد رضا قرائي اشتياني إنّ "الدفاع عن الشعب الإيراني والمصالح الوطنية لا يخضع لأي قيود وسيتم بكامل القدرات الدفاعية"، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء الإيرانية. وأشار إلى أن "العمليات الصاروخية التي تقوم بها إيران ضد الإرهابيين هي ردّ متناسب وحاسم وقاسٍ على أي تهديد تواجهه، بغضّ النظر عن مكان هذا التهديد".

من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني، من منتدى دافوس، إن بلاده "قدّمت معلومات استخبارية للعراق بشأن أنشطة الموساد في كردستان العراق"، مشيراً إلى أن الضربات الإيرانية على العراق كانت تستهدف الموساد الإسرائيلي، ومؤكداً أن بلاده تحترم سيادة العراق.

وتتفق أطراف سياسية مختلفة في بغداد وأربيل، على أن الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على أربيل، مع تعاظم نفوذ الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، خلال العام الأول من حكومة محمد شياع السوداني، بما فيها إعادة بعضٍ من تلك الفصائل انتشارها جغرافياً على الحدود المتاخمة لإقليم كردستان في مناطق قرب زمّار، ومخمور، وكركوك، والدبس، وطوزخورماتو، وسنجار (الخط الأخضر)، يعزّزان من موقف أطراف سياسية داخلية في العراق تؤكد على أهمية الوجود العسكري الغربي في البلاد من خلال مظلة التحالف الدولي (بقيادة أميركية ضد "داعش").

محمد السلماني: الانسحاب من العراق يجب أن يكون للطرفين الأميركي والإيراني

القوى السياسية الكردية، تُظهر مواقف صريحة إزاء أهمية بقاء قوات التحالف الدولي بوصفها ضامناً ضد أي تهديدات على الإقليم، خصوصاً مع وجود إحدى أهم القواعد العسكرية للتحالف في أربيل والتي تتعامل معها واشنطن كقاعدة دعم لوجستي لقواتها الموجودة في محافظة الحسكة السورية المجاورة لإقليم كردستان. ولا يخفي قادة ومسؤولون أكراد في أربيل موقفهم هذا.

القوى السنّية العراقية تريد "التوازن"

من جهتها، فإن القوى العربية السنّية التي تؤيد انسحاب القوات الأميركية وإنهاء دور التحالف الدولي، تتحدث في الوقت ذاته عن "التوازن" الذي تخلقه تلك القوات في العراق، وذلك في لقاءات لها مع مسؤولين وسفراء غربيين وفقاً لما أكده نائب عراقي بارز في بغداد، أوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوى السنّية تخشى على مصالحها من أي موقف يخالف توجهات قوى الإطار التنسيقي والأطراف المسلحة الحليفة لإيران والدافعة نحو انسحاب أميركي سريع".

واعتبر المصدر أن تباين المواقف داخل العراق "قد يستعمل من قبل واشنطن في الرد على أي طلبات لانسحابها باعتبار أنها صادرة من قوى حليفة لإيران فقط، لذلك تريد القوى السياسية الشيعية في الإطار التنسيقي، انتزاع موقف سياسي سنّي مُعلن إزاء هذا الوجود مطالباً بإنهائه"، وفق قوله.

وتحدث النائب عن "خفوت" الموقف الحكومي العراقي خلال الأيام الأخيرة الماضية أيضاً، من طلب إنهاء عمل التحالف، إلى الحديث عن تشكيل لجان تفاوض ووضع جدول زمني للانسحاب الأميركي، وهذا يعني بحسب المصدر أنه لا جديد في الأمر إذ إن اتفاقية يناير/كانون الثاني 2020 بين واشنطن وحكومة مصطفى الكاظمي السابقة نصّت على مراجعة الاتفاقية بين بغداد وواشنطن بشكل دوري بحسب المقتضيات على الأرض.

السوداني، وفي أحدث موقف له من ورقة الوجود العسكري للتحالف الدولي في العراق، شدّد خلال لقاء له في دافوس مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أول من أمس، على أهمية "بدء أعمال اللجنة الثنائية الخاصة بمراجعة تواجد التحالف الدولي في العراق"، متحدثاً عن "البحث في صياغة جدول زمني لإنهاء مهمة التحالف والانتقال إلى علاقات ثنائية شاملة مع دول التحالف". وفي إشارة إلى زيارة السوداني التي جرى الحديث عن تأجيلها أكثر من مرة إلى واشنطن، نقل البيان الحكومي العراقي عن أن اللقاء بين الجانبين تطرق إلى "زيارة الولايات المتحدة والاتفاق على تعيين موعد محدد بين الجانبين".

لكن وكالة "فرانس برس"، ذكرت أن سوليفان عرض على السوداني أول من أمس، تعزيز التعاون الأمني بين البلدين بعد الهجوم على أربيل، كما جاء في بيان للبيت الأبيض أن سوليفان أجرى مع السوداني محادثات بشأن "هجمات إيران الصاروخية الباليستية المتهوّرة"، وأنهما "بحثا في أهمية وضع حد لهجمات" تُشن ضد أميركيين في العراق وسورية، وأكّدا "التزامها توطيد التعاون الأمني في إطار شراكة دفاعية مستدامة وطويلة الأمد".

وفي اليوم ذاته أيضاً، عقد سوليفان اجتماعاً مع رئيس حكومة إقليم كردستان على هامش منتدى دافوس أيضاً، ونقل بيان لحكومة الإقليم عقب اللقاء عن مستشار الأمن القومي الأميركي قوله "إنه سيناقش مع الرئيس جو بايدن الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على أمن الإقليم"، وهذه إشارة اعتبرت ضمنية إلى تعامل مختلف لواشنطن مع أربيل.

وكانت إيران أعلنت أنها استهدفت في ضرباتها الصاروخية على أربيل، "مقراً لجهاز الموساد الصهيوني" (الاستخبارات الإسرائيلية) في كردستان العراق وتجمعات لـ"داعش" في سورية، وقالت إنها تأتي رداً على التفجيرات الانتحارية التي تبناها "داعش" واستهدفت في 3 يناير الحالي مراسم إحياء ذكرى اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني في مدينة كرمان جنوب شرقي إيران، ومقتل ضابط إيراني بهجوم مسلح استهدف مقراً للشرطة في قضاء راسك بمحافظة سيستان وبلوشستان، في 10 يناير (قصفت إيران أيضاً شمال سورية ومحافظة بلوشستان الباكستانية بحسب إسلام أباد).

وتخشى بعض القوى والأحزاب السنّية في العراق من تكرار سيناريو عام 2011، عندما انسحبت القوات الأميركية من العراق، وخضعت البلاد لإجراءات طائفية وإقصائية واسعة نفذتها حكومة نوري المالكي، شملت إبعاد سياسيين وزعامات قبلية واجتماعية ودينية وتفكيك كتل سياسية وانتهت بالتظاهرات التي على أثرها اجتاح "داعش" البلاد في 2014.

وفي هذا الصدد، يرى عضو مجلس محافظة الأنبار السابق محمد السلماني، أن "الانسحاب من العراق يجب أن يكون عملياً لكل الأطراف، الأميركية والإيرانية أيضاً"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أي انكفاء أميركي جديد داخل العراق، يعني أن البلاد صارت في مرحلة جديدة سياسية وأمنية لا يُمكن معرفة مآلاتها".

ويتواجد قرابة 2500 عسكري أميركي في العراق، ضمن التحالف الدولي للحرب على الإرهاب والذي تقوده واشنطن منذ سبتمبر/أيلول عام 2014. ويتوزع التواجد الأميركي على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، وهي قاعدة "عين الأسد" في الأنبار، وقاعدة "حرير" في أربيل، ومعسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد الدولي، لكن بالمجمل هناك قوات أخرى إلى جانب الأميركية، أبرزها الفرنسية والأسترالية والبريطانية، والتي تعمل ضمن قوات التحالف وأخرى ضمن عنوان بعثة تحالف حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق.

غالب الشابندر: واشنطن ستستخدم ورقة عقوبات الدولار إذا ما أجبرت على الانسحاب

وإلى جانب المواقع العسكرية الثلاثة، هناك مواقع أخرى تضم أنشطة غير مدنية، أبرزها وحدة مهام خاصة داخل السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد، ومخصصة لحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية، إضافة إلى موقع يرتبط بالتحالف الدولي في مطار أربيل وآخر في مطار السليمانية بمثابة مركز تنسيق أمني متقدم.

عقوبات الدولار

المستشار السابق لحكومة إقليم كردستان العراق، كفاح محمود، قلّل في حديث لـ"العربي الجديد"، من جدية مسألة المطالبة بخروج القوات الأميركية وما سينتج منها، معتبراً أنها "لا تتعدى كونها للاستهلاك المحلي، وهناك اتفاقيات بين بغداد وواشنطن لا يمكن المساس بها". وأكد محمود بشكل ضمني أهمية هذا الوجود للعراق ككل، وليس لإقليم كردستان فقط، من الجانبين الأمني والعسكري، لكنه شدّد في الوقت ذاته على أن "الوجود الأميركي لا يرتبط بأجندات الجماعات المسلحة حتى وإن لجأت إلى عمليات القصف الإرهابية"، في إشارة للقصف الذي تتعرض له قواعد التحالف الدولي في العراق.

وأضاف محمود أن "المنطقة لا تتحمل أي تصعيد عسكري، وإيران تصنع قصصاً مفبركة بشأن وجود مراكز إسرائيلية في إقليم كردستان، ورغم النفي المتكرر من البرلمان والحكومة العراقية ببغداد، وكذلك الزيارة الأخيرة لمستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي التي أكدت عدم صحة الرواية الإيرانية بشأن وجود مقرات أو اجتماعات للموساد الإسرائيلي، تواصل طهران الترويج لهذه القصص".

ووسط تحذيرات من مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، قال النائب الأسبق غالب الشابندر، إنه "سيخلق أزمات للعراق"، محذراً من أن الولايات المتحدة ستستخدم ورقة "عقوبات الدولار"، وتوقف تسليم العراق معدات وأسلحة ضرورية. وأضاف الشابندر في تصريحات صحافية من بغداد الاثنين الماضي، أن "القوات الأميركية ستتمركز في إقليم كردستان، ونتائج الانسحاب ستكون كارثية على جنوب ووسط العراق بعد إعلان الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية مثلما فعلت مع سورية وإيران ولبنان وإقامة الحصار الاقتصادي الذي سيؤدي إلى المجاعة جنوب ووسط العراق"، وفقاً لقوله.

إلا أن عضو حزب "الدعوة الإسلامية" في بغداد، علي الساعدي، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "انسحاب الأميركي يعني سحب أي أسباب إيرانية لتنفيذ هجمات جديدة على العراق". وأضاف الساعدي: "واشنطن تدعم قوى مناهضة لإيران مثل الجماعات الكردية الإيرانية في كردستان، وتدعم أيضاً جهداً تحريضياً ضدها، ونحن لا نستبعد وجود مراكز استخبارية للموساد أو غيرها في الإقليم تستفز الإيرانيين لتنفيذ هجمات، لذا الأفضل إنهاء الوجود العسكري والاستخباري الأميركي من العراق، بشكل توافقي وتكون العلاقة طبيعية مثلنا مثل أي دولة أخرى تمتلك علاقات مع واشنطن". وتعليقاً على القصف الإيراني الأخير رأى الساعدي أن "حكومة السوداني يجب أن تستغله لتأكيد أهمية إخلاء الساحة العراقية من أي وجود أجنبي عسكري، خصوصاً أن إنهاء الوجود الأجنبي في العراق من ضمن برنامج السوداني الحكومي الذي صوّت عليه الأخوة السنّة والأكراد أيضاً"، بحسب قوله.

استاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا، الدكتور مهند سلوم، اعتبر أن "العرب السنّة اليوم، لا يريدون خروج قوات التحالف من العراق، فهم يرون أن هذه القوات يمكن أن تحميهم من الاعتقالات والتهجير الطائفي الذي تمارسه القوات الحكومية والمليشيات. كذلك، فإن الأحزاب السنّية المشاركة في العملية السياسية ترى وجود قوة أميركية على أنه ضمان وصمّام أمان يحميهم من تفرد وبطش الأحزاب والمليشيات الحاكمة".

أما بالنسبة لإقليم كردستان، فرأى سلوم أنه "رغم الانقسام السياسي الواضح بين الأحزاب الحاكمة في السليمانية وأربيل، فإن هناك إجماعاً على مساندة بقاء القوات الأجنبية لأنها تمثل ضماناً أمنياً وسياسياً وحتى اقتصادياً بالنسبة للإقليم". واعتبر أنه "بعد الهجمات الصاروخية الأخيرة على مدينة أربيل، تعزّز الموقف الكردي المعارض لخروج القوات الأميركية، وكان رد فعل حكومة الإقليم الأول بعد الهجمات الأخيرة على أربيل، مطالبة القوات الدولية وتحديداً الأميركية بحماية الإقليم من الهجمات الإيرانية، وهو ما أكده ذلك رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور البارزاني في لقائه مع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في دافوس".



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>