تضغط ظاهرة وجود أعداد كبيرة من مرافقي المرضى وزوارهم داخل مستشفيات العراق على نوعية الخدمات الطبية التي يحصل عليها المرضى، في وقت يعتبر تراجع الخدمات الصحية من بين المشكلات المستعصية في العراق، إلى جانب فقدان الأدوية وتهريبها وارتفاع أسعارها.
واشتكى وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي من الظاهرة التي أكد أنها ترهق الأطباء، وتعد من بين الأسباب الرئيسية للاعتداء عليهم، علماً أن كثيرين يطالبون الوزارة بتحجيمها، لكنها لم تتخذ أي خطوات عملية في هذا الشأن. وقال خلال زيارته مستشفى اليرموك في بغداد: "الواقع مؤلم بسبب كثرة أعداد المرافقين والزوار. حين دخلت الى ردهة الطوارئ كان الزحام الناتج من الأعداد الكبيرة لمرافقي المرضى لا مثيل له حتى في الأسواق الشعبية، وحين تنقلت مع أطباء لمتابعة حالات مرضية، كان مرافقون كثيرون قربنا، وكان بعضهم يسألون عن أحوال مرضاهم، كما أحاط ضباط من الشرطة بمريض، وتجمّعت نساء قرب مريضة، وكأنهم غير معنيين بأداء الأطباء لعملهم".
وأضاف الحسناوي: "هذه عادة مجتمعية غير صحية، فالمستشفيات معنية بتقديم الخدمات الطبية وتحتاج الى أجواء مناسبة لتوفير علاج يتلاءم مع الأوضاع الصحية للمرضى، وليست الوزارة معنية بالوقوف عند أبواب مستشفيات، ومنع دخول أشخاص، علماً أن كثيرين يدخلون المستشفيات ولا يستطيع أحد منعهم، ولا يمكن وضع الجميع في السجن لإلزامهم بالبقاء في الخارج. من هنا نحتاج الى ثقافة مجتمعية لمعالجة هذه الأوضاع التي لا تناسب مصلحة أحد، أكان مريضاً أو طبيباً. فرض القانون مهم، ونحتاج إلى منع الناس من دخول المستشفيات بالقوة، لكن لا يمكن فعل ذلك من دون وعي وثقافة مجتمعية".
ويوضح الطبيب المقيم في مستشفى ببغداد، مصطفى الوندي، لـ"العربي الجديد": "الأعداد الكبيرة لمرافقي المرضى تشكل خطراً على الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات، خاصة في ردهات الطوارئ التي تستقبل الحالات الحرجة من حوادث وغيرها، لكن غالبية المرضى والمصابين يرافقهم بين ستة إلى عشرة أشخاص، وتزداد الأعداد خلال فترة وجودهم في المستشفى، وتصبح أكبر من عدد أفراد الكوادر الطبية. لا يستطيع الأطباء غالباً علاج المرضى بسبب ذلك، كما أنهم يتجادلون مع الأطباء، ويستعجلون مثلاً وضع ضمادات، وقد يقترحون إعطاء مسكنات للآلام وأموراً أخرى".
ويشير الوندي إلى أن "معظم الاعتداءات التي يتعرض لها الأطباء تحصل بسبب الأعداد الكبيرة للمرافقين، خصوصاً في حال وفاة مرضى، إذ يشتم ذوو المتوفى الأطباء ويضربونهم. المشكلة تتفاقم ولا تجد إدارات المستشفيات والعاملون الطبيون أي حلول لها رغم أن كثيرين يواصلون مناشدة الجهات المسؤولة التدخل واتخاذ إجراءات رادعة لهذه الظاهرة".
من جهته، يحمّل عضو نقابة الأطباء أركان الجبوري وزارة الصحة مسؤولية توفير البيئة المناسبة داخل المستشفيات، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن تتنصل الوزارة من مسؤولياتها في مواجهة هذا الكمّ الكبير من الإهمال الذي يعرقل الخدمات الصحية. بالطبع نحتاج إلى ثقافة مجتمعية، لكن الإجراءات الصارمة والمشددة مطلوبة لمنع دخول أكثر من مرافق واحد أو اثنين للمريض فقط إلى المستشفى، كي تتوفر أجواء مناسبة لعمل الأطباء".
ويذكر أن "ردهات الطوارئ تبدو أحياناً كأنها دور ضيافة بسبب الأعداد الكبيرة للزوار الذين يجلبون معهم المأكولات والعصائر، ويتحدثون ويضحكون بأصوات مرتفعة من دون مراعاة ضرورة الحفاظ على الهدوء في المستشفى، وهذا مظهر غير حضاري. من المعيب أن تحدد الوزارة الخلل وتتنصل من مسؤولية معالجته، ويجب أن تصدر قراراً يحدد عدد المرافقين، ويحاسب المخالفين وفقاً للقانون".
ولا تقتصر التأثيرات السلبية لكثرة أعداد المرافقين والزوار على عمل الكوادر الطبية فحسب، بل أيضاً على المرضى أنفسهم، والذين يشتكون من الوضع وانعكاساته على حالاتهم الصحية ونتائج العلاجات التي يخضعون لها والتي قد تحتاج إلى مقدار كبيرة من التركيز والعناية الطبية، والذي لا يمكن تحقيقه ضمن فوضى انفلات عدد المرافقين في المستشفيات.
يقول أبو حسن المحمداوي، لـ"العربي الجديد": " كنت مريضاً في مستشفى اليرموك ببغداد، وكان الوضع غير صحي وغير مناسب. لا يستطيع المريض أن يرقد في غرفته الخاصة بسبب كثرة الزوار، وتحدثهم بأصوات مرتفعة وتسببهم بفوضى. مكثت 4 أيام في المستشفى، وشعرت كأنني في مقهى شعبي بسبب كثرة الزوار، ولم أكن أستطيع النوم إلا في وقت متأخر من الليل بعد أن يغادر الزوار، ما أجبرني على مغادرة المستشفى، والانتقال إلى مستشفى في السليمانية. يجب أن تعالج وزارة الصحة الموضوع، فلا يمكن أن تتغلب الظواهر المجتمعية على أسس ممارسة العمل الطبي".
يُشار الى أن البيئة الصحية غير المناسبة في مستشفيات العراق تدفع مئات من المرضى إلى السفر إلى محافظات إقليم كردستان أو إلى خارج البلاد للعلاج، ويتحملون بالتالي تكاليف مادية باهظة بسبب تراجع الواقع الصحي في مستشفيات البلاد.