العراك والشتائم تعمّق أزمة انتخاب رئيس البرلمان العراقي
أبدى نواب ومراقبون عراقيون عدم تفاؤل بإمكانية انفراج أزمة اختيار رئيس البرلمان العراقي، مؤكدين أن الأزمة تعمّقت بعد العراك والمشادات الكلامية بين عدد من النواب ورئاسة البرلمان أثناء جلسة الأسبوع الفائت، التي شهدت إخفاقاً للمرة الخامسة في حسم الملف، في ظل انقسام بين الأطراف السياسية في دعم أحد المرشحين للمنصب، وهما محمود المشهداني مرشح حزب تقدم، وسالم العيساوي مرشح الأطراف السنية السيادة والعزم والحسم، والذي حصل على أغلبية الأصوات خلال جلسة البرلمان العراقي الأخيرة.
وشهدت جلسة انتخاب رئيس البرلمان العراقي التي عُقدت السبت الماضي عراكاً بالأيدي، وأصيب أحد النواب بجرح في رأسه جراء مشاجرة بين نائبين ينتمي كل واحد منهما إلى حزبٍ يُنافس الآخر للظفر بالمنصب، فضلاً عن شتائم وسباب بين نواب ورئيس المجلس بالوكالة محسن المندلاوي، المدعوم من قوى الإطار التنسيقي، الأمر الذي أفضى إلى تدخل قوات الأمن لفض الشجار، ومغادرة معظم النواب ورؤساء الكتل السياسية قاعة البرلمان، ورفع الجلسة حتى إشعار آخر.
ويقول النائب المستقل في البرلمان العراقي كاظم الفياض، لـ"العربي الجديد"، إن "ما شهدته الجلسة هو إساءة بشكل كبير للمؤسسة التشريعية، خصوصاً في ظل السباب والشتائم وكذلك العراك، وأن هذا يعطي صورة سلبية للشارع العراقي، الذي هو في الأصل ناقم على النواب"، مبيناً أنه "بعد العراك، أصبحت قضية انتخاب رئيس جديد للبرلمان صعبة جداً، في ظل هذا الصراع الذي تحول إلى صراع وخلاف شخصي أكثر مما هو صراع سياسي، وصراع مصالح حزبية"، معتبراً أن هذا الصراع الشخصي ستكون له تأثيرات وتداعيات على عموم عمل المؤسسة التشريعية.
وأضاف أن "كل هذا الصراع هدفه المصالح والمكاسب والنفوذ، ولهذا كانت بعض الأطراف السياسية مستعدة لفعل أي شيء وكل شيء، من أجل حصولها على رئاسة مجلس النواب"، مشدداً على أن "ما حصل عمّق الأزمة بشكل كبير، ويدفع باتجاه عدم عقد أي جلسة جديدة لانتخاب رئيس البرلمان، دون الدخول بمرشح واحد، لمنع تكرار العراك والشتائم بين النواب".
من جهته، قال المحلل السياسي علي البيدر، لـ"العربي الجديد"، إن "ما حصل خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان، السبت الماضي، من سباب وشتائم وعراك بالأيدي، يُعتبر رصاصة الرحمة في التوافقات والتفاهمات ما بين الأطراف السياسية، وهذا يعني أن هناك صعوبة حقيقية، بل شبه استحالة بحصول اتفاق جديد على قضية انتخاب رئيس البرلمان". ورأى أن "ما حصل في الجلسة يؤشر إلى أن قضية انتخاب رئيس البرلمان العراقي أصبحت من الماضي، وأن المندلاوي سوف يكمل دورته البرلمانية بشكل كامل رئيساً لمجلس النواب بالوكالة"، بسبب عدم الاتفاق السني - السني على حسم الملف والصراع الشخصي والسياسي على المنصب".
واعتبر البيدر أن "العراك، وكذلك الشتائم والسباب، من قبل بعض النواب، كان أمراً متعمداً، وهو مفتعل من أجل إفشال الجلسة، ولو لم يحصل ذلك لظفر العيساوي بالمنصب في الجولة الجديدة بحصوله على أغلبية الأصوات، ولهذا افتعل بعض النواب، وخاصة من حزب تقدم (حزب الحلبوسي) المشكلة بهدف الدفع نحو تأجيل الجلسة، الأمر الذي يجعل من عقد أي جلسة أخرى أمراً صعباً من دون اتفاق مسبق".
في المقابل، رأى الناشط السياسي المُقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي أن حسم ملف رئاسة البرلمان العراقي هو بيد الإطار التنسيقي، وقال لـ"العربي الجديد" إن "الفساد في العراق مستشر في المؤسسات الرسمية، والسلطة التشريعية لا تختلف عن باقي المؤسسات، لأن وصول أغلب النواب إلى البرلمان يتم عبر أحزاب متهمة بالفساد، وهذه الأحزاب لا ترغب بشخصيات تمتلك المهنية والنزاهة والسلوك السياسي الملتزم، لذلك نحن لم نُفاجأ من سماع ألفاظ نابية من بعض النواب، لأن أغلبهم جاء من بيئة تستخدم ألفاظا وكلمات لا تليق بمجلس النواب".
وأكد أن "اختيار رئيس مجلس النواب الجديد هو بيد الإطار التنسيقي، الذي يصل عدد نوابه إلى 186 نائباً، لكن الخلافات الداخلية للإطار، ورغبة بعض القوى الشيعية بإبقاء محسن المندلاوي (القيادي في الإطار التنسيقي) رئيساً للسلطة التشريعية، تؤشر إلى عدم وجود انفراجة لهذه الأزمة ما لم تتفق قوى الإطار على اختيار البديل"، مشدداً على أنه رغم حالة الفوضى التي شهدتها الجلسة، فإن القضية جاءت لصالح الإطار التنسيقي، لكن في نهاية الأمر سيكون هناك مزيد من الضغوط على القوى الشيعية لحسم هذا الموضوع. وأضاف أن "القوى السياسية السنية وصلت إلى طريق مسدود بسبب أزمة البرلمان والثقة فيما بينهم، وأن الجميع وصل إلى مرحلة العجز"، مؤكداً أنه "بعد العراك والسباب والشتائم، فإن انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب أصبح صعبا جداً، والأزمة تفاقمت بشكل كبير وخطير".
ودخلت أزمة اختيار رئيس جديد للبرلمان العراقي شهرها السادس، حيث يتواصل شغور المنصب بعد قرار قضائي للمحكمة العليا، في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بإقالة الرئيس السابق محمد الحلبوسي وإنهاء عضويته إثر إدانته بالتزوير. وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد قضت، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإنهاء عضوية الحلبوسي على خلفية دعوى قضائية كان قد رفعها أحد البرلمانيين، اتهمه فيها بتزوير استقالته من البرلمان. ومنذ ذلك الوقت، اندلعت خلافات بين القوى السياسية المختلفة بشأن اختيار بديل للحلبوسي.