تراجع تأثير الأحزاب المدنية العراقية
لم يعد هناك ذكر لحراك الأحزاب المدنية العراقية كما كان قبل بضع سنوات، بعد فشل تحالف قيَم في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) التي أجريت في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وعلى الرغم من حصول التحالف على ستة مقاعد في الانتخابات، لكن أي من الفائزين لم يكونوا ضمن صفوف أي حزب من أحزاب، مما أدى إلى تدهور تماسكه وتشتته والتخلي عن عقد أي اجتماعات، باستثناء لقاءات شخصية وفردية لا أهمية سياسية لها، وفقاً لما كشفت مصادر "العربي الجديد". وضم تحالف قيم في انتخابات ديسمبر الماضي، كلا من البيت الوطني، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وحركة نازل آخذ حقي، والحركة المدنية العراقية، والحزب الشيوعي العراقي، وحركة المثقف العراقي، والريادة العراقي، والتجمع الجمهوري، والتيار الديمقراطي، والحزب الشيوعي الكردستاني، وتنوير. كما تحالف معهم سبعة نواب ضمن كتلة وطن. وبقي تحت إدارة مشتركة من قبل النائب المستقل سجاد سالم، والسياسي علي الرفيعي، علماً أن الحزب الشيوعي العراقي كان الطرف الأكثر فاعلية ضمن التحالف. انسحب هذا الفشل أيضاً على تحالف الأساس، الذي قدّم نفسه تيارا مدنيا وليبراليا، وحصل على تأييد غير قليل من قبل أعضاء في مجلس النواب العراقي من خريجي ساحات الاحتجاج والتظاهرات التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019. أخفق هذا التحالف في تطبيق خطابه المدني الذي كان قد طرحه قبل الانتخابات المحلية الأخيرة، كما تدهورت أوضاعه وتشتت بعد انسحاب حزب الوعد العراقي، مع أحد مؤسسي التحالف، وهو النائب حسين عرب.
سرمد القطراني: هناك مشاعر سلبية من الشعب العراقي تجاه التجارب المدنية الفاشلة
واتفق أعضاء ومؤثرون في تلك التيارات على أن جملة من الأسباب الداخلية كانت سبب تشتت الأحزاب المدنية العراقية وضعف تأثيرها في الفترة الأخيرة، ومنها عدم الوضوح في الأهداف، بالإضافة إلى التشكيك الدائم في مصادر التمويل، وعدم امتلاك الأحزاب المدنية العراقية الجديدة، موارد بشرية وجماهير حقيقية. واعتبروا أن هذه الأحزاب آمنت بالربح السريع، وأنها مستعجلة لأجل الحصول على المناصب والمواقع الهامة في الدولة، من دون تطبيع العلاقة مع الجماهير العراقية، تحديداً الأغلبية الصامتة. ومما سجله الشارع أيضاً، تكوينُ عدد من قادة الأحزاب المدنية العراقية التي تشكلت خلال الأعوام الأربعة الماضية، علاقات مع زعماء الأحزاب التقليدية، بل حتى مع قادة الفصائل المسلحة. وقد حصل بعضهم على تمويل لأجل دفع إيجارات مقارهم ورواتب شهرية لأعضاء هذه الأحزاب، ما أدى إلى تحييدهم أو جرهم إلى داخل ساحة انتقدوها سابقاً.
وفي وقتٍ سابق، قال سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "القوى والأحزاب المتمسكة بأساليب المحاصصة الحزبية والطائفية، ورغم إمكاناتها والسيطرة على البرلمان والوزارات، تعاني من فجوة مع الشعب، وغياب للثقة مع جماهيرها، لذلك فإن هذه القوى تخشى قوى التغيير، وإن الحراك المدني يحظى بدرجة عالية من المصداقية مع العراقيين". لكن على أرض الواقع بدا أن الأحزاب المدنية العراقية عانت من فجوة مع الشعب، بحسب العضو المستقيل أخيراً من الحزب الشيوعي سرمد القطراني، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "الحزب الشيوعي والأحزاب المدنية العراقية بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي وآليات سير التفاهمات، فهي لا تزال تعتقد أن تثوير المجتمع ضد الطبقة السياسية الموجودة حالياً طريقة ناجحة، مع العلم أن أدوات التثوير تشترك مع الأحزاب التقليدية في تفاهمات وصداقات، وهذا غير خافٍ على العراقيين". ورأى أن "هناك مشاعر سلبية من الشعب العراقي تجاه التجارب المدنية الفاشلة، وهذه الأخيرة لا تستمع إلى الآراء والمقترحات الخاصة بأهمية التنظيمات الشعبية، لأنها لا تريد أن تخسر الوقت في صناعة التنظيمات، مع العلم أنها تساوي كل شيء في العمل السياسي".
عبد الله الركابي: الأحزاب المدنية العراقية وحتى الدينية والعلمانية، لا تمتلك الجماهير الحقيقية
وبحسب معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن "حراكاً سياسياً في العاصمة بغداد، كان ينوي التحوّل إلى حزب سياسي مسجل لدى دائرة الأحزاب، إلا أن الإخفاق الانتخابي الذي تعرض له تحالفا الأساس وقيم، دفع إلى مزيدٍ من التأجيل، مع خيبة أمل كبيرة أصابت أعضاءه وزيادة احتمالات الفشل المبكر، في حين أن حزباً مدنياً سُجّل قبل عامين، ينوي العودة تدريجياً إلى العمل ضمن قطاعات المجتمع المدني عبر منظمة محلية، على اعتبار أن العمل ضمن المنظمات لا يُعد سياسياً، كما أن خساراته المعنوية محدودة، وحزبا آخر، يرفع راية المقاطعة والمعارضة للحكومة الحالية، يستعد حالياً لإغلاق مقره". وحول ذلك رأى الباحث العراقي عبد الله الركابي، أن "الأحزاب المدنية العراقية وحتى الدينية والعلمانية، لا تمتلك الجماهير الحقيقية، ربما عدا التيار الصدري وهو حالة استثنائية، كما أنها لا تريد إصلاح ذاتها لأنها تريد أن تغتنم الفرصة وتحصل على أي مكاسب تقودها في النهاية إلى التمسك بأطراف الحكم، وهذا السلوك يمثل قمة التنصل عن المناهج السياسية الموجودة في كراريس هذه الأحزاب". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الأحزاب العراقية جميعها تتاجر بالقضايا الإنسانية، إذ تتمسك الأحزاب الشيعية بالمظلومية، والأحزاب السنية بقضايا المغيبين والسجناء والنازحين، والأحزاب المدنية بالاحتجاجات التظاهرات وما خلفت من ضحايا، أما الأحزاب الكردية فتتمسك بورقة القومية والاستهانة بالأكراد، من دون تقديم أي شيء للعراقيين من كل الطوائف والقوميات، بالتالي فإن مفهوم المعارضة يطبق من قبل الشعب وليس الأحزاب المدنية".