لماذا الاربعين؟
سميت هذه الزيارة بالاربعين لانها تمثل مرور أربعين يوماً من استشهاد الامام الحسين (ع)في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة.
كما ان هذه الزيارة توافق في يوم العشرين من صفر، وهو اليوم الذي ورد فيه الصحابي جابر بن عبدالله الانصاري من المدينة الى كربلاء لزيارة قبر الامام الحسين(ع)فكان أول من زاره من الناس.
وفي هذا اليوم أيضا وافق رجوع عيال الامام الحسين (ع)من الشام الى كربلاء مرة اخرى بقيادة الامام زين العابدين(ع) فالتقى بجابر الانصاري.
من هنا بدأت زيارة أربعين الامام الحسين(ع) كما أنه اليوم الذي رجعت فيه الرؤوس لأهل البيت(ع) الى أبدانهم في كربلاء.
ويروى أن الصحابي جابر الانصاري في يوم العشرين من صفر وقف عند القبر الشريف لأبي عبدالله الحسين(ع)فأجهش بالبكاء ،وقال يا حسين ثلاثاً ثم قال: حبيب لا يجيب حبيبه ،وأنى لك بالجواب وقد شطحت أوداجك على أنباجك، وفرق بين رأسك وبدنك فأشهد أنك ابن خاتم النبيين وابن سيّد المؤمنين،
وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء ومالك ما تكون كذلك وقد غذتك كف سيد المرسلين وتربيت في جحر المتقين فطبت حياً وطبت ميتاً غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليك أخوك المجتبى ابن زكريا.
ثم جال بصره حول القبر وقال السلام عليكم أيتها الارواح التي حلت بفناء الحسين(ع)وأناخت برحله،وأشهد أنكم أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين والذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
كما أن يوم الاربعين من النواميس المتعارفة للاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً، فكيف نفهم هذا المعنى عندما يتجلى في موضوع كالامام الحسين(ع)الذي بكته السماء أربعين صباحاً بالدم، والارض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ومثل ذلك فالملائكة بكت عليه أربعين صباحاً حتى أتانا رأس عبيدالله ابن زياد ما زلنا في عبرة من بعده كما جاء في مستدرك الوسائل.
اذا نظرنا في كتب التراث، وجدنا أن العرب في الجاهلية عرفوا تأبين الأموات وكانت عادة معروفة بين ظهرانيهم ولم تكن غريبة عنهم كما عرفوا لبس السواد في الحداد خاصة.
أكدت أحاديث الائمة (ع)على أهمية زيارة الاربعين حتى جعلها الامام الحسن بن علي العسكري(ع)من سيماء المؤمن أي علامات المؤمن خمس: صلاة احدى وخمسين وزيارة الاربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين.
هل من علاقة بين تاريخ الزيارة والعدد “الاربعين”؟
يتكرر ذكر الاربعين في القرآن الكريم وفي الاحاديث الشريفة، وكذلك في تفاسير كثيرة لايات بينات عند المفسرين على اختلاف مذاهبهم ، فعلى سبيل المثال، ورد في القرآن الكريم:”واذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون”.البقرة:51.
“قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلا تأسى على القوم الفاسقين”.المائدة: 26.
” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين”.الاعراف:142.
” ووصينا الانسان بوالديه احسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى اذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين”. الاحقاف: 15.
أما الاحاديث الواردة فيها ذكر “الاربعين”، فتكاد لا تحصى، واخترنا منها بعض ما له علاقة بالبكاء على الميّت:
عن رسول الله(صلعم)ان الارض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً.
عن الامام محمد الباقر(ع)أنه قال: ان السماء بكت على الحسين(ع)أربعين صباحاً.
عن الامام الصادق (ع)أنه قال ان السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم والارض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً.
وفي تفسير آيات القرآن الكريم نجد تكراراً للعدد ” أربعين” عند المفسرين المسلمين، سنّة وشيعة من ذلك ما رواه الطباطبائي عند الحديث عن مقتل ابن آدم(ع)على يد أخيه وشرح الاسباب والنتائج في الايات:27،28،29،30،31 في سورة المائدة “انصرف آدم يبكي على هابيل أربعين يوماً وليلة”.
ومما قاله الماوردي في ” النكت والعيون” في قوله تعالى:”فما بكت عليهم السماء والارض” الدخان:” أن السماء والارض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا، قاله مجاهد”.
من لطائف المعارف التي أوردها ول ديورانتWill Durantفي موسوعة: قصة الحضارة في حديثه عن زراعة الزيتون في اليونان القديمة: “ان شجرة الزيتون لا تأتي أكلها الا بعد ستة عشر عاماً من زرعها، ولا يكتمل نموها الا بعد أربعين”.
هدم قبر الامام الحسين(ع)وتبيان موضعه بعد أربعين يوماً: عندما هدم المتوكل القبر الشريف للامام الحسين(ع) ظن وأعوانه أنهم بهذه الطريقة سيحولون بين الناس وبين زيارة الامام الحسين(ع). صحيح ان رجال المتوكل منعوهم من الاقتراب من ذلك الموضع الشريف، ونكّلوا بمن تحدّاهم، الا أن العناية الالهية تدخلت فلم يندرس المكان، وعرف موضع دفن الامام(ع).
فقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية”ان الماء لما أجرى قبر الحسين ليمحى أثره نضب الماء بعد أربعين يوما، فجاء أعرابي من بني أسد، فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها حتى وقع على قبر الحسين(ع)، فبكى وقال: بأبي أنت وأمي، ما كان أطيبك وأطيب تربتك!! ثم أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه ،فطيب تراب القبر دلّ على القبر.