وفي حوار مع وكالة تسنيم الدولية للأنباء قال كنعاني، إن التحول الأهم الذي أحدثته عملية "طوفان الأقصى" في قضية فلسطين هو إعادة تصنيفها كأهم قضية إقليمية ودولية. بعبارة أخرى، أعادت عملية "طوفان الأقصى" القضية الفلسطينية، التي كان الكيان الصهيوني وحلفاؤه يسعون في السنوات الأخيرة إلى تصويرها كقضية منسية ضمن مخططات التسوية المختلفة، إلى الواجهة كقضية أولى ذات أولوية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
لم يعد أحد الآن يعتبر القضية الفلسطينية قضية منتهية أو منسية ضمن مخططات التسوية أو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. لم يعد أحد يرى أن القضية الفلسطينية بلا تأثير على المعادلات الاستراتيجية الإقليمية والدولية. كما لم يعد من الممكن الاعتقاد بأنه يمكن حل القضية الفلسطينية في إطار مفاوضات التسوية بين الكيان الصهيوني الغاصب وبعض الدول الإقليمية تحت إشراف أمريكا، مع تهميش الدور الفلسطيني وكأنه غير مؤثر.
"طوفان الأقصى" أظهرت أولاً أن القضية الفلسطينية لا تزال حية. ثانياً، أن الشعب الفلسطيني شعب حي ومقاوم، وثالثاً أن هذا الشعب لا يزال قادرًا على تحديد مصيره بنفسه، والوقوف في وجه التيار الذي يبدو أنه السائد إقليميًا ودوليًا، وتغيير مسارات هذه التحولات بما يتناسب مع مصير القضية الفلسطينية.
قبل "طوفان الأقصى"، كان التقييم أن القضية الفلسطينية يمكن حلها في إطار مخططات التسوية، وأن الكيان الصهيوني هو كيان غاصب ولكنه حقيقة واقعة على الأرض، وأن دولًا مثل أمريكا وبعض الأطراف الأوروبية يمكنها، كداعمين دوليين للكيان الصهيوني، هندسة حل القضية الفلسطينية ضمن هذه المخططات. لكن "طوفان الأقصى" أثبتت أن القضية الفلسطينية لا يمكن حلها في إطار التسويات، وأن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة لا يمكن تجاهلها أو حلها على طاولة المفاوضات لصالح الكيان الصهيوني الغاصب.
لذلك، أعادت "طوفان الأقصى" القضية الفلسطينية إلى صدارة القضايا الإقليمية والدولية، وأعطتها زخما جديد. كما رفعت من مكانة فصائل المقاومة الفلسطينية، التي كانت تُصنَّف من قبل نظام الهيمنة كحركات إرهابية، إلى حد أن دولًا مثل أمريكا باتت تُقر بأن القضية الفلسطينية لا يمكن حلها دون الاعتراف بمكانة فصائل المقاومة، التي تمثل الشعب الفلسطيني الحقيقي، ولا يمكن هندسة الحل بالشكل الذي ترغب فيه تلك الدول.
لقد تغيرت الموازين الاستراتيجية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وكذلك المعادلات الاستراتيجية في المنطقة بعد "طوفان الأقصى" بشكل يجعل العودة إلى ما كانت عليه قبلها مستحيلة. وبناءً على ذلك، أكد قائد الثورة الإسلامية بدقة ورؤية تحليلية أن عملية "طوفان الأقصى" فرضت هزيمة غير قابلة للترميم على الكيان الصهيوني الغاصب.
على مدى الأشهر الأحد عشر الماضية، ورغم كل الجرائم التي ارتُكبت ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وتحديداً في قطاع غزة، شهدنا بوضوح مدى التلاحم العميق بين الشعب، المواطنين، وفصائل المقاومة الفلسطينية. ومن المثير للاهتمام أن استطلاعات الرأي التي أُجريت، ليس فقط في قطاع غزة بل حتى في الضفة الغربية، أظهرت أن شعبية الفصائل المقاومة، مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي، ارتفعت بشكل ملحوظ مقارنةً بما كانت عليه قبل عملية "طوفان الأقصى". وهذا يعكس أن النهج الأساسي للشعب الفلسطيني هو المقاومة في مواجهة الاحتلال.
النقطة الأخرى المهمة هي أن فصائل المقاومة أظهرت تفوقاً استراتيجياً على الكيان المحتل. فقد بدأ الكيان الحرب ضد قطاع غزة بعد عملية "طوفان الأقصى" بأهداف معلنة، منها القضاء على حماس، وتدمير الأنفاق التي أنشأتها المقاومة في غزة، والإفراج عن الأسرى الذين تحتجزهم فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من جميع الجرائم والقدرات التي وظفها الكيان المحتل في الميدان، وكذلك كل الدعم العسكري والاستخباراتي والأمني والسياسي والدولي الذي تلقاه من نظام الهيمنة بقيادة الولايات المتحدة، فإن أياً من الأهداف المعلنة للكيان المحتل لم يتحقق حتى الآن.
لولا التدخل الفوري لأمريكا في غرفة العمليات العسكرية وإدارتها السياسية والأمنية للكيان الصهيوني في تل أبيب، لكان الكيان الصهيوني قد انهار تماماً بعد عملية "طوفان الأقصى"
فيما يتعلق بالعملية العسكرية التي شنها الكيان الصهيوني ضد قطاع غزة على مدار الأحد عشر شهراً الماضية، لا شك أن أمريكا كانت شريكاً أساسياً في فرض هذه الحرب على الشعب الفلسطيني المظلوم. لولا التدخل الفوري لأمريكا في غرفة العمليات العسكرية وإدارتها السياسية والأمنية للكيان الصهيوني في تل أبيب، لكان الكيان الصهيوني قد انهار تماماً بعد عملية "طوفان الأقصى".
الدعم الكامل الذي قدمته الولايات المتحدة للكيان الصهيوني في المحافل الدولية، بما في ذلك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وخاصة في منع تمرير قرارات لوقف إطلاق النار، يُظهر بوضوح أن الولايات المتحدة لعبت دوراً رئيسياً ليس فقط في بدء الحرب واستمرارها، بل في إدارتها أيضاً. وبالتالي، تتحمل الولايات المتحدة جزءاً من نتائج الحرب. إذا كان الكيان الصهيوني قد تكبّد هزيمة استراتيجية، وهو أمر مُسلَّم به واعترف به جميع الخبراء الواقعيين، فإن الولايات المتحدة أيضاً شريكة في هذه الهزيمة.
المؤسف أن الحكومة الأمريكية ضحت بسمعة الشعب الأمريكي وأموال دافعي الضرائب الأمريكيين لصالح الكيان الصهيوني الغاصب. التظاهرات التي شهدتها الشوارع والميادين والجامعات الأمريكية من الأكاديميين والشباب، والتي نُظمت دعماً للشعب الفلسطيني المظلوم والمطالبة بوقف إطلاق النار، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن، تظهر بوضوح أن الحكومة الأمريكية تقف إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب وضد إرادة الشعب الأمريكي نفسه. لذا، الأمريكيون هم بالتأكيد خاسرون في هذه الحرب، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضاً على الصعيد الأخلاقي.
محور المقاومة اليوم يظهر كقوة نشطة وفعالة، قادرة على التأثير وإحداث توازن ردع في مواجهة المخططات والهندسات التي يحاول نظام الهيمنة فرضها.
الكيان الصهيوني لم يعد يواجه فقط الشعب الفلسطيني، بل يقف أيضاً ضد رغبة الشعوب في المنطقة. من الواضح أن هناك حركات نابعة من شعوب المنطقة، وتحديداً في العراق، سوريا، واليمن، تحمل طابعاً مناهضاً للاحتلال. هذه الحركات الآن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني، كداعم للحق والحرية، وهو ما يوضح كيف تغيرت المعادلات الإقليمية.
لم تعد الولايات المتحدة تمتلك القوة أو القدرة على تنفيذ مخططاتها، والمعادلات الاستراتيجية في منطقة غرب آسيا شهدت تحولات جذرية.
لقد تغيّر وزن الدول والتحالفات المتعددة، كما ارتفع دور الفاعلين غير الدوليين، وخصوصاً حركات المقاومة. والأهم من ذلك هو الدعم الشعبي الكبير في المنطقة لهذه الحركات ومواقفها المناهضة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني. نحن الآن أمام واقع جديد بعناصر ومؤشرات جديدة في هيكلية القوة بالمنطقة.
الشعب اليمني يتمتع بالقدرة اللازمة لتحقيق إرادته واستهداف المصالح الاستراتيجية للكيان الصهيوني
شعب اليمن أظهر موقفاً مشرفاً وقوياً في دعمه للشعب الفلسطيني المظلوم. على الرغم من السنوات الصعبة التي مر بها، لا يزال الشعب اليمني يثبت شجاعته وقوته في دعم القضية الفلسطينية. حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن، بقيادة حركة أنصار الله، أعلنت بوضوح أنه طالما استمر الكيان الصهيوني في حربه العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، فإن المصالح والأهداف التابعة للكيان الصهيوني في المنطقة ستكون مستهدفة. وقد أظهروا عملياً قدرتهم على تنفيذ هذا القرار. هذه الحقيقة أثبتت أن الشعب اليمني وحكومة الإنقاذ الوطني، وخصوصاً أنصار الله، يتمتعون بالقدرة اللازمة لتحقيق إرادتهم واستهداف المصالح الاستراتيجية للكيان الصهيوني.
الأمر لا يقتصر على اليمن فقط، بل في لبنان والعراق نرى نفس الوضع. على الرغم من الحصار الشامل الذي يفرضه الكيان الصهيوني على قطاع غزة الضيق والصغير، فإن هذا الكيان يجد نفسه الآن في حصار إقليمي أوسع من قبل حركات المقاومة في لبنان واليمن والعراق. كما أن الضغوط الدولية المتزايدة من الرأي العام والحكومات على الكيان الصهيوني تضيف إلى هذا الحصار. كل هذه التطورات تشير إلى ظهور وضع جديد وتوازن جديد في المنطقة.