يؤكد الحرفي الذي ورث مهنته عن أجداده، أن الحرب على المدن الفلسطينية، زادت العمل بأكثر من 50% تبعا للطلبات المتواصلة على (الأوشحة والنقشات الفلسطينية) التي يرتديها الزبائن، كنوع من التضامن مع الشعب الفلسطيني في وجه الحرب الإسرائيلية المتواصلة.
بمزيج من المشاعر المتناقضة، يمد الرجل الستيني يده مترددا إلى سيل الخيوط الممتد من البكرات نحو منطقة "الضفر"، فرغم القبول الذي ينتابه جراء الطلب المتزايد على سلعته، وتمتعه بأصوات التكات الرتيبة الصادرة عن آلاته، تماما كما كانت عليه الحال قبل الحرب على سوريا، إلا أن برودة جافة تسري على صفحة جلده، لأن تعافي الطلب على سلعته من "الكوفيات"، جاء على خلفية الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
في نهاية المطاف، توصل الحرفي السوري إلى نقطة توازن داخلي بهذا الشأن، معتبرا أن توفير السلعة للمتضامنين مع القضية الفلسطينية في أربع بقاع الدنيا، يعكس تضامنه أيضا مع الفلسطينيين.
يشكل المصنع الصغير الذي تملكه عائلة الخالدي، لوحة تراثية تعود إلى زمن ازدهرت فيه صناعة النسيج السوري عالميا، فلأكثر من مئتي عام تفردت ورشة الحرفي الدمشقي وعائلته بصناعة الحطة الحريرية، وهي إحدى قطع اللباس الشعبي الخاصة بالرأس والتي كانت سائدة في فترة من الفترات فيما باتت حاليا من الموروث الشعبي، ولشهرتها، يقصدها شيوخ الخليج للحصول عليها بحكم القطن والخيط السوري ذو الجودة العللية المنافسة بمواصفاتها العالمية.
كانت سنوات الحرب على سوريا وبالا على صناعة "الحطة العربية"، يقول الخالدي لـ "سبوتنيك": "اليوم عاد عملنا بنسبة 100% بعدما توقف تام خلال فترة الحرب، فقد أغلقتها لسنوات عديدة خوفاً من انتشار الإرهابييين في المنطقة التي تتواجد فيها ورشتي بريف دمشق".
يخشى الحرفي الخالدي اندثار مهنة أجداده، ولذلك يقول: "أعمل اليوم لأورث هذه الحرفة لأولادي كمهنة سورية قديمة تطورت عبر الزمن من حيث النقوش والزخارف، أخاف من اندثارها، علينا أن نبقى على صلة بتراثنا الذي يشتمل على الكثير من الإبداع والإتقان، مضيفا في حديثه لـ "سبوتنيك": "ورشتي تنتج يوميا حوالي 1000 قطعة، وحاليا يوجد في دمشق حوالي ثلاث ورشات تصنيع (الحطة)، لكن معظمهم من كبار العمر، ورغم ذلك فأن هذه المهنة لن تنقرض لأنها تتطور مع الزمن، فالعديد من الزبائن لديهم (نقشات) جديدة يرغبون منا أن نصنعها لهم، ونحن نلبي لهم الطلبات تبعا لرغبتهم".
يحيك الحرفي الشامي أنواعا عديدة من الحطّات، بينها "المصورة" أو "البحرة" ذات اللون الأحمر، إضافة إلى "العريجتين" وتلبس أيضا في محافظة السويداء، و"الصدّية" في بلدة (صدد/ بلدة جنوب حمص تعود للألف الثاني قبل الميلاد)، و"المحرداوية" في مدينة (محردة/ مدينة بريف حماة تعود للعصرين الحجري والوسيط)، و"الكبة" تلبسها النساء و"العبدة" وللرجال في منطقة القلمون، و"الشكرية" في إدلب وحلب.
يشرح الحرفي الدمشق بأن صناعة الحطة تمر بمراحل عديدة إلى أن تصل إلى النول الآلي، لتخرج بحلتها النهائية نحو مخازن التجار، ثم إلى الأسواق المحلية، مشيرا إلى أن الحكومة تسهم في تقديم التسهيلات لتصديرها إلى لبنان والأردن والخليج والسعودية والعراق، حيث تعد مطلوبة بشكل كبير خاصة من قبل شيوخ وقادة الخليج.
وترتبط الحطة أو الكوفية أو الشماخ، بتاريخ عريق يعود إلى فترة الحضارة السومرية، حين حكم أهلها القدماء العراق وسوريا، وغرب إيران وجنوب تركيا والجزيرة العربية، الأمر ما يفسر سبب ظهور "الشماخ" الذي يعني بالسومرية "غطاء الرأس"، في تلك الدول على اختلاف مسمياته.