اختلال الضغط السياسي في العراق

العربي الجديد

اختلال الضغط السياسي في العراق

  • منذ 1 يوم
  • العراق في العالم
حجم الخط:

السفرة الأولى لي خارج العراق كانت إلى سورية في صيف 2004، وفوجئت في وقتها حين سمعت من أكثر من صديق سوري هناك أن مخابرات نظام الأسد قد جعلت المدن الحدودية مع العراق معسكرات لتجنيد المقاتلين العرب، الذين ينزلون في مطار دمشق بكلّ حريّة.
ستتّضح الصورة في السنوات اللاحقة أكثر، وتعرف دوائر الحكومة العراقية بدقّة أن مصدر القلق الأمني الأساسي يأتي من سورية الأسد، وقد انفلتت هذه الحقيقة بلسان رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، عقب تفجيرات وزارة الخارجية يوم 19 أغسطس/ آب 2009، بما سمّي وقتها "الأربعاء الدامي"، حين اتهم صراحة النظام السوري بالمسؤولية عن التفجيرات المختلفة في ذلك اليوم، وأهمها ما حصل في بناية وزارة الخارجية، التي خلّفت 95 قتيلاً وأكثر من 500 جريح.
في الجانب الشرقي من الحدود العراقية، كانت إيران تمرّ بتحدّياتها الخاصّة؛ فعلى الرغم من وجود ما يؤكّد أن هناك ترتيبات أو تفاهمات غير مباشرة ما بين إيران وأميركا قبيل غزو الأخيرة العراق في 2003، حصيلتها أن تقف إيران على الحياد في مشروع إسقاط نظام صدّام حسين، إلا أن الداخل الإيراني لم يصمد أمام الرياح التي أرسلت بها عاصفة الاحتلال الاميركي إلى العراق لتصفع الأراضي الإيرانية. ففي صيف 2003 اندلعت تظاهرات شبابية إيرانية حاشدة للمطالبة بإصلاحات ومزيد من الديمقراطية. واستمرّت هذه التظاهرات في التصاعد والتكرار عاماً بعد آخر، حتى وصلنا إلى انتخابات الرئاسة في يونيو/ حزيران 2005، حين فاز المتشدّد محمود أحمدي نجاد، ومن بعدها بدأت في إيران سياسة احتواء "التغيير" في العراق بشكل جدّي وأكثر حسماً، بإطلاق يد "الحرس الثوري" في العراق، ودعم مجموعات المقاومة، وتزويدهم بالعبوات الناسفة الخارقة للدروع.
كان الشباب الإيراني الرافض للقمع والمحتج على نقص الحرّيات، ينظر بعين الإعجاب إلى ما جرى في العراق، ولكن سيغدو الانزلاق نحو الحرب الأهلية بصورة متسارعة في العراق إنذاراً لهؤلاء المعجبين بعواقب المطالبة بالتغيير، بالإضافة إلى التصوّر الذي ساد عند صقور السياسة الإيرانية بأن تجربة الشيعة في العراق يجب ألّا تمضي وفق الأنموذج الأميركي، ويجب أن تبقى مرتبطةً بإيران بدرجة أو بأخرى.
ظلّت إيران تلعب مع الأحزاب الشيعية وتدعم سيطرتها السياسية، ولكنّها تدعم، في الوقت نفسه، المجموعات المسلّحة، إن كان في هجماتها ضدّ الأميركيين، أو من أجل أن تكون ورقة ضغط على السياسيين الشيعة أنفسهم.
ليس لديّ مستندات تؤكّد وجود تنسيق دقيق بين إيران وسورية في تلك الأوقات من أجل إشعال الداخل العراقي، وأُرجّح وجود تفاهم بحدود ما، ولكنّ نظام الأسد كان يعمل ضمن مشروعه الخاص.
ظلّت هاتان الدولتان في دائرة الاتهام عند معلّقين عراقيين كثيرين في تلك السنوات، ولكن القصّة تغيّرت فجأة مع بدء عمليات الحرب ضدّ "داعش"، إذ ارتفعت أسهم الطرف الموالي لإيران داخل العراق، واستطاع هذا الطرف إعادة صياغة قصّة مختلفة، أقصيت منها جهود التحالف الدولي، ولتبدو فيها سورية وإيران حليفتين استراتيجيتين، ومُسِح الماضي الأليم كلّه فجأة، ولتنجح إيران في نهاية المطاف في الوصول إلى مستوىً غير مسبوق من السيطرة في العراق.
وإلى أسابيع قليلة ماضية، كان يمكن للمراقب أن يقول إن القبضة الإيرانية شديدة في العراق، ولا توجد طريقة للخلاص منها، غير أن هذا كلّه تزعزع فجأةً بالسقوط الصادم لنظام الأسد، وزيادة الضغوط الدولية على إيران، وبتنا اليوم في حالة من اختلال الضغط السياسي في العراق، لا نعرف إلى أين سينتهي بنا.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>