تل أبيب تناقش مع الإدارة الأمريكية اعتماد "نموذج تونس" مع "حماس".. فما القصة؟

وتشير تل أبيب بهذا النموذج إلى أحداث العام 1982 حينما تم إبعاد قائد منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، بوساطة أمريكية، إلى تونس بصحبة الآلاف من عناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة أيام حرب لبنان الأولى بعد الحصار الأمني والعسكري الذي فرضته إسرائيل على بيروت والذي دام 88 يوما.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين إسرائيليين كبار استعداد تل أبيب إلى القبول باستمرار بقاء حماس، ولكن خارج قطاع غزة. وأضافت: "على ضوء اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سكان غزة إلى الأردن ومصر، فإن من بين المقترحات التي تجري مناقشتها بين إسرائيل والإدارة الأمريكية الجديدة هو تطبيق "النموذج التونسي" لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمعنى آخر، طرد بعض أو كل كبار مسؤولي حماس من قطاع غزة".

ووفقا للمصدر ذاته، فإن القيادة الإسرائيلية تعتبر أن السيناريو التونسي قد "يشكّل حلا لوقف القتال في إطار المفاوضات حول المرحلة الثانية من الاتفاق، دون إنكار قدرة حماس على الحكم في قطاع غزة".

وأشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى أن هذا المقترح سيكون محل نقاش بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، إلى جانب مواضيع أخرى ستطرح على طاولة النقاش من بينها الوضع الأمني في غزة والرهائن والمواجهة مع المحور الإيراني.

فإلى أي مدى يمكن أن تنجح إسرائيل في تطبيق هذا النموذج على حماس؟ وهل يمكن أن تؤدي هذه الخطوة إلى تغيير في ديناميكيات الصراع في المنطقة؟

وفي الموضوع، يرى الأستاذ الجامعي المؤرخ والناشط السياسي رياض مرابط، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن ظرف الحرب في غزة وظرف حرب لبنان الأولى وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلى تونس مختلفان تماما ولا يمكن مقارنتهما.

وأوضح: "أولا منظمة التحرير الفلسطينية في حرب بيروت كانت موجودة على أراضي دولة أخرى غير الأراضي الفلسطينية. ورغم التضامن الحقيقي والواقعي والارتباط العضوي بين لبنان وفلسطين وكامل بلاد الشام فإن الوجود الفلسطيني في بيروت كان بمثابة حركة مقاومة في أرض دولة عضو في المنتظم الأممي".

وشدد مرابط على أن هذا الوضع يتباين مع الوضع الحالي في غزة، مضيفا: "حركة حماس هي جسم مقاوم في أرضه التي وجد عليها منذ آلاف السنين، وبالتالي له الحق الشرعي الذي تضمنه القوانين الدولية في مكافحة الاحتلال".

ويشير مرابط إلى أن "درجة نضج حركة حماس والمقاومة الفلسطينية الوطنية بشكل عام يختلف عما كان عليه الأمر زمن حرب لبنان الأولى. وقال إن "المقاومة اليوم أنضج مما سبق ومستوعبة للعقل السياسي لإسرائيل الذي يتوهم أن التضحيات التي قدمها الفلسطينيون يمكن أن تكون الذراع التي تؤلم حماس ويغفل عقلية الشعب الفلسطيني الذي يؤمن باستمرارية المقاومة".

ويرى مرابط أن دعوة إسرائيل إلى تكرار التجربة التونسية هي بمثابة "استبلاه" لعقول العالم، وقال: "لا توجد دولة واحدة ستقبل بأن تقدم رأسها على طبق من ذهب لضربات إسرائيل".

وقال المتحدث إن هذه الدعوة تغفل أن تونس دفعت ثمنا غاليا من دماء أبنائها ومن عناصرها الأمنية والسياسية جراء استقبال قيادات المقاومة الفلسطينية، والدليل هو عملية حمام الشط (تونس) التي استهدف فيها سلاح الجو الإسرائيلي مقر القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية مخلفا عشرات القتلى من التونسيين والفلسطينيين.

وأشار إلى أن "آلة القتل امتدت إلى تونس حتى في غياب الهياكل الرسمية للمقاومة حينما وقع اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري على يد الموساد الإسرائيلي بعد الثورة".

وحول الموقف المحتمل لحركة حماس من هذا المقترح، قال الأستاذ الجامعي رياض مرابط إن الحركة لا يمكن أن تقبل بترحيل قياداتها.

واستطرد: "ولكن ربما تكون هناك مفاوضات على حلول وسطى أو إبعاد بعض القيادات، خاصة وأن حركة حماس سبق وأن وافقت في نطاق التفاوض على تحرير بعض الأسرى وإبعادهم عن فلسطين. فعندما وضعت حماس بين خياريْ الأسر المؤبد لهؤلاء الأسرى أو إبعادهم خارج أرض فلسطين فقد اختارت الأقل سوءًا وليس أحسن الحليْن، ولكن أن يتم إبعاد جميع القيادات خارج أرض فلسطين فهذا ما لن تقبل به حماس".

وشدد مرابط على أن حركة حماس تعي جيّدا أن أكبر حماية لها تكمن في تواجدها في غابة الجماهير في غزة، مضيفا: "خارج غزة كل قيادات حماس أينما ذهبوا سيكونون طعما صائغا لاسرائيل".

وقال المتحدث إن مطالبة تل أبيب باعتماد "النموذج التونسي" تعبّر عن جهل العقل السياسي لإسرائيل باستراتيجية حماس وحتى الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات جسام في سبيل استعادة أرضه.

ولفت إلى أن إسرائيل تتناسى أن الشعب الفلسطيني وكل شعب حر يدافع عن حقه في الوجود باستمرار قيادات مقاومة جيلا بعد جيل، قائلا "وبالتالي هذه العملية لا يمكن أن تكون حلا حتى بالنسبة لإسرائيل نفسها".

على الطرف المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد ذويب، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن الوضع الذي تمرّ به حركة حماس يمكن أن يجبرها على قبول اعتماد "النموذج التونسي".

وأوضح ذويب: "الحركة تفقد تدريجيا الدعم الخارجي الذي كانت تتلقاه من جبهات متعددة أوّلها إيران وحزب الله ونظام بشار الأسد بقطع النظر عن موقفنا منه. واقعيا وقع ضرب قيادات حزب الله التي تحتاج إلى وقت من أجل العودة إلى الميدان والوضع في لبنان متوتر".

ولفت ذويب إلى أن فقدان حركة حماس لهذا الدعم الخارجي الذي أسندها منذ تأسيسها عام 1988 سيجبرها على التعويل على جبهتها الداخلية بمقاتليها وشعبها وربما يجبرها على تقديم تنازلات.

وتابع: "ربما تجبرها قطر وتركيا على اعتماد ما سمي بـ"النموذج التونسي".

وأشار إلى أن هذه الأوضاع ستضع حركة حماس في مأزق وتصعب مهمتها خاصة في ظل الاسناد الأمريكي القوي لإسرائيل بقيادة الرئيس دونالد ترامب الذي يقود محاولات لترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن.

وحول حيثيات النموذج التونسي، قال المحلل السياسي محمد ذويب إن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة قبل في العام 1982 باستقبال قيادات منظمة التحرير الفلسطينية بعد الاجتياح العسكري للبنان وتم إيواء أغلبيتهم في منطقة حمام الشط التي وقع قصفها في سبتمبر/ أيلول 1985.

ولفت ذويب إلى أن إسرائيل كانت تبحث آنذاك عن إبعاد قيادات المقاومة الفلسطينية من أرض المعركة في لبنان، خاصة وأن الإمكانيات في بداية الثمانينات لم تكن تسمح بتواصلهم مع عائلاتهم أو تنسيق العمليات أو الاستقطاب وما إلى ذلك.

ويفسّر ذويب اختيار تونس بكونها بعيدة جغرافيا عن منطقة الشرق الأوسط، خلافا لدول الطوق العربي على غرار لبنان وسوريا ومصر والعراق أو الدول التي لها حدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وحذّر ذويب، من مغبّة تورط تونس في هذه المسألة مجددا، مضيفا: "أولا يجب أن ندرك أن إسرائيل لها مشروع أبعد من مسألة ترحيل قيادات حركة حماس خاصة في ظل اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وترحيل سكانه".

وأضاف: "ثانيا، يجب الإقرار بأن تونس لا تملك الإمكانات لحماية قيادات الحركة في حال ترحيلهم إلى أراضيها، بالنظر إلى حجم الاختراقات التي مارستها إسرائيل على دول مثل إيران وسوريا وحزب الله".

ولفت إلى أن "جل قيادات الحركة التي تشرف على عمليات المقاومة لا تتواجد على أرض فلسطين وإنما في قطر وتتولى التنسيق مع المقاومة من هناك، مشيرا إلى أن القيادات التي وقع تصفيتها على غرار إسماعيل هنية كانت خارج الأراضي الفلسطينية".