قراءة عراقية في دعوة أوجلان حزبه إلى إلقاء السلاح

العربي الجديد

قراءة عراقية في دعوة أوجلان حزبه إلى إلقاء السلاح

  • منذ 4 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:

غطّى بيان مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان التي دعا فيه، أمس الخميس، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، على مجمل المشهد في مناطق إقليم كردستان، شمالي العراق وغربي محافظة نينوى الحدودية مع الحسكة السورية، ضمن بلدة سنجار الواقعة تحت نفوذ مسلحي هذا الحزب الذي يعود تاريخ وجوده في العراق إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويُخضِع مناطق واسعة، تُقدر بأكثر من سبعة آلاف كيلومتر مربع، لسيطرته، وأبرزها مناطق قنديل وسيدكان وسوران والزاب وزاخو، شمالي دهوك وشرقي أربيل على الحدود مع الأراضي التركية. 

مواقف رسمية من بغداد وأربيل والسليمانية

 بغداد التي أدرجت قبل عدة أشهر الحزب "منظمةً محظورةً" ضمن إجراءات التفاهم مع تركيا، للتضيق على وجوده بالعراق، رحّبت رسمياً بدعوة أوجلان حزبه لإلقاء السلاح، وقالت الخارجية العراقية، في بيان، إنها "خطوة بالغة الأهمية نحو تعزيز الأمن، ليس في العراق فقط، بل في المنطقة بأسرها". 

بينما رحبت رئاسة إقليم كردستان بالإعلان، وقال بيان لرئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني: "نرحب بحرارة برسالة السيد أوجلان ودعوته لإلقاء السلاح وحل حزب العمال"، ودعا الحزب إلى "الالتزام بهذه الرسالة وتنفيذها". كما أعلن فيه عن استعداده لدعم عملية السلام في هذا الصدد. 

إلا أن الموقف اللافت هو ما صدر عن رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، نجل الزعيم الكردي جلال الطالباني وأبرز المقربين لحزب العمال الكردستاني وكذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في سورية، إذ قال إنها "رسالة مسؤولة ومطلوبة في المرحلة الحالية"، معتبراً أن الإعلان يأتي "بهدف توحيد صفوف الكرد والبحث عن حل سلمي للمشكلات، وفق مبدأ الشراكة لبناء مستقبل مشرق وآمن لشعب كردستان". 

الواقع على الجغرافيّة العراقية أكثر تعقيداً

 يمتلك حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، منذ عام 1994، العشرات من القواعد والمقار التابعة له في عموم مناطق الشمال العراقي الحدودي مع تركيا ضمن إقليم كردستان، وهي عبارة عن مقار وثكنات عسكرية تتوزع عليها قواته الذين يُقدر عددهم بأكثر من ستة آلاف مسلح داخل العراق فقط، غالبيتهم من الجنسية التركية. 

مناطق سلسلة جبال قنديل، وهي المثلث الحدودي العراقي مع إيران وتركيا، المعقل الأصعب والأهم لحزب العمال، إلى جانب مناطق سوران وسيدكان والزاب وضواحي العمادية وزاخو، ومتين وكاره وكاني ماسي، شمالي أربيل وشرقي دهوك، كانت مسرح العمليات العسكرية التركية طوال السنوات الماضية. 

لكن توسع الحزب خلال السنوات العشر الأخيرة داخل العراق، عقب اجتياح تنظيم "داعش"، وما تلاه من معارك استعادة السيطرة، حيث وجد نفوذاً كبيراً له في مناطق سنجار وسنوني وفيشخابور غربي محافظة نينوى، وأسس حزب العمال الكردستاني فصائل مُسلحة من الإيزيديين الأكراد العراقيين في تلك المناطق، أبرزها مليشيا "وحدات حماية سنجار" ومليشيا "لالش" الإيزيدية، وتنشط في سنجار وضواحيها وترفع شعارات وصور حزب العمال الكردستاني. 

وتأسست عدة أحزاب سياسية إيزيدية كردية قائمة على فكر ونهج حزب العمال، أبرزها حزب "الحرية والديمقراطية الإيزيدية" وحزب "جبهة النضال الإيزيدي" وحزب "حرية مجتمع كردستان"، إلى جانب حركات أخرى ذات طابع سياسي مسلح، مثل فوج "الحماية والدفاع الإيزيدي" الذي انطلق من "مخيم مخمور" حيث تقيم عائلات أفراد الحزب هناك. 

وأنشأت تركيا أكثر من 40 موقعاً عسكرياً لها داخل العراق ضمن الشريط الحدودي مع تركيا، ضمن مساعي المنطقة الآمنة أو العازلة لمواجهة العمليات التي ينفذها الحزب داخل تركيا انطلاقاً من العراق. وأسست فصائل ومليشيات عراقية مدعومة من طهران علاقات مهمة مع أذرع حزب العمال الكردستاني بالفترة الأخيرة، وبدت متناغمة في المواقف خاصة في ما يتعلق بتركيا وسورية بإدارتها الجديدة، كما أن جزءاً كبيراً من مليشيا "وحدات حماية سنجار"، الذراع المحلية لحزب العمال، باتت ضمن "الحشد الشعبي"، وتتسلم رواتب ومساعدات حكومية منذ عام 2018 إبان حكومة عادل عبد المهدي.

مسؤول عراقي بارز في مستشارية الأمن القومي ببغداد قال لـ"العربي الجديد" إن الإعلان لا تُتوقع منه معالجة سريعة لورقة حزب العمال خاصة بالعراق، وقد لا يكون له تأثير مباشر إلا على نطاق تركيا فقط". ووفقا للمسؤول نفسه الذي تحدث عبر الهاتف من بغداد اليوم الجمعة، فإنه "للمرة الأولى تتفق بغداد وأربيل والسليمانية على حسم مسألة حزب العمال بوصفها جماعة أجنبية داخل الأراضي العراقية، وهذه نقطة مهمة قد لا تقل أهمية عن إعلان أوجلان نفسه". 

وحول ما إذا كانت دعوة أوجلان ستلاقي فعلاً قبولاً من قيادة الحزب الحالية الموجودة أساساً في العراق، قال المسؤول نفسه إنه "لا يتوقع ذلك، وفي حال حصولها، فقد يكون هذا جزئياً، وقد يسبب انقساماً داخلياً في صفوف الحزب نسمع عنه قريباً، ونأمل من تركيا أن تستغل الظرف، وتمنح عفواً عاماً عن المقاتلين الموجودين بالعراق ليعودوا إلى تركيا، فهذا سيساعد كثيراً". 

وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن الحكومة العراقية تتجه إلى "عقد ورش أمنية متخصصة في الأيام المقبلة لبحث كيفية التحرك على الأرض لتفكيك مراكز القوة عند حزب العمال الكردستاني، وخاصة ملف العراقيين الذين تطوعوا مع الحزب، وهم من العراقيين الكرد والإيزيديين، واحتوائهم ضمن برنامج محدد"، واصفاً وجود الحزب بأنه "عائق أمام مشاريع التنمية، والأهم تهديد لاستقرار مناطق شمال العراق بالكامل". 

وفي يوليو/ تموز الماضي، قررت الحكومة العراقية تصنيف الحزب المعارض لأنقرة "منظمةً محظورةً"، بعد مخاطبة مؤسسات الدولة والوزارات بالتعامل مع الحزب باعتباره منظمة محظورة ضمن القوانين العراقية النافذة، كما طالبت جهات سياسية وشخصيات بحذف الأحزاب التابعة للعمال من سجلات دائرة الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى فك ارتباط أي عناصر متورطين بالانتماء لحزب العمال ومنعهم من مزاولة الوظائف الحكومية في البلاد. 

خسائر الحزب المتصاعدة في العراق 

الضابط السابق في قوات البشمركة الكردية والخبير العسكري شوان عقراوي اعتبر أن دعوة أوجلان "فرصة سلام لن تتكرر في الأجزاء الكردية الأربعة"، في إشارة إلى مناطق الوجود الكردي في تركيا والعراق وسورية وإيران. وأضاف عقراوي أن الحزب يتكبد خسائر كبيرة منذ عدة أشهر، بعد تحقيق الاستخبارات التركية اختراقات كبيرة أتت على عدد كبير من قيادات الصف الأول في الحزب داخل العراق وسورية، معتبراً أن العام الفائت (2024) كان الأكثر صعوبة على الحزب، ليس على المستوى العسكري فحسب، بل سياسياً، إذ نجحت أنقرة في التضييق على قنوات تمويل الحزب من خلال منظمات وحركات في فرنسا والسويد وألمانيا، ما جعله يخسر الكثير من مصادر تمويله المالية. 

وبشأن الفصائل العراقية الكردية والإيزيدية المرتبطة تنظيمياً وعقائدياً بالحزب، قال عقراوي إنها "مرتبطة بقرار قيادة قنديل (يعني قيادة حزب العمال الموجودة في منطقة قنديل)، إذ إن قراراهم سيسري على كل من له صلة بالحزب". 

ومثّل ملف مسلحي "العمال الكردستاني"، الذي ينشط داخل العراق ويتخذه منطلقاً لشن اعتداءات متكررة داخل تركيا، العقدة الأبرز في العلاقات التركية العراقية طوال العقدين الماضيين، لكن تقدماً واضحاً تحقق هذا العام بعد اعتبار العراق "العمال الكردستاني" منظمةً محظورةً، والتعهد بالعمل مع تركيا في هذا الإطار.

تفاؤل ضئيل إزاء دعوة أوجلان 

وحتى الآن، لم يصدر عن حزب العمال الكردستاني شيء، لكن موقعه الإخباري الرسمي الناطق بعدة لغات (ANF) تعاطى مع دعوة أوجلان باهتمام كبير تحت وصف "القائد التاريخي"، كما نقل مظاهر اهتمام مواطنين أكراد بالخطاب قبل بثه عصر أمس الخميس. 

الخبير بالشأن السياسي العراقي والأستاذ في جامعة الموصل فراس إلياس قال إن "خطاب أوجلان يمثل تحولاً مهماً في سياق العلاقات الكردية التركية، التي أطرتها سنوات من الحرب والسلام"، لكنه أكد أنه "رغم دعوة أوجلان الحزب لحل نفسه وإلقاء السلاح، إلاّ إن السنوات التي قضاها أوجلان في السجن أنتجت قيادة جيدة للحزب، وتحديداً في قنديل، فضلاً عن جماعات محلية في سورية والعراق، وبالتالي ليس من المتوقع أن تلتزم هذه الجماعات بخطاب أوجلان، على أقل تقدير من دون ضمانات حقيقية من أنقرة، والرئيس أردوغان شخصياً". 

وتابع إلياس، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المتتبع تاريخَ حزب العمال الكردستاني، وتحديداً منذ عام 1999، يدرك تماماً أن الحزب لم يعد يهتم بشكل أساسي بالصراع مع أنقرة، بقدر ما بدأ يطرح نفسه في سياق إقليمي عام، وأنتج علاقات وثيقة مع إيران، وبدأ يفرض الوصاية السياسية على العديد من الجماعات الكردية المسلحة في العراق وسورية، وبالتالي، فإن قيادة الحزب الحالية، أو التي جاءت بعد اعتقال أوجلان، قد لا تجد نفسها معنية بالالتزام بخطابه الأخير، أو على أقل تقدير التفاعل معه". 

ووفقا للدكتور فراس إلياس، فإن "المشكلة عراقياً أكبر من المتصور، سواء بطريقة تعامل الحكومة العراقية مع عناصر حزب العمال الكردستاني الموجودين في قنديل أو مقتربات سنجار، والأهم كيفية التعامل مع المنخرطين ضمن فصيل وحدات مقاومة سنجار، فهي تطرح نفسها ذراعاً عراقيةً لحزب العمال الكردستاني، كما أنها تشكل جزءاً كبيراً من الفوج 80 في الحشد الشعبي، وبالتالي، هل ستكون هناك إجراءات عراقية موازية للإجراءات التركية، أم سيكون هناك موقف رافض من قبل الوحدات؟".



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>