أشجار المانغروف... خطط زراعة طموحة لبيئة العراق
تؤكد دراسات، القيمة البيئية الكبيرة لأشجار المانغروف وأهميتها في تعزيز التنوع البيولوجي، وتوفير مواقع لنشاطات بحرية سياحية واستكشافية ومنها الغوص. وتتبنى الحكومة العراقية خططاً طموحة لزرع هذه الأشجار
تهتم السلطات العراقية بتعزيز جهود مواجهة المخاطر الكبيرة التي تتعرض لها البيئة، من خلال تبني مشروع زراعة أشجار القرام (المانغروف) في محافظة البصرة (جنوب)، ويثير ذلك ردود فعل إيجابية من قبل المتخصصين البيئيين الذين يؤكدون أهمية هذه الأشجار في مواجهة التغيّر المناخي.
يأتي ذلك في وقت تشهد البيئة في العراق تدهوراً ملحوظاً نتيجة عوامل عدة، منها ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف، والتلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية والنفطية، وتراجع الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي.
في فبراير/شباط الماضي، أعلن النائب الإداري لمحافظ البصرة، ماهر العامري، في بيان، نجاح زراعة أشجار المانغروف في المحافظة، رغم الظروف المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة صيفاً. وأكد أهمية تعزيز زراعة هذه الأشجار على السواحل العراقية، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، والجهات الحكومية المتخصصة. وأوضح أن التجارب التي بدأت عام 2018 أثبتت قدرة هذه الأشجار على النمو في ظل الظروف المناخية الصعبة في البصرة، وأن ارتفاع بعضها تجاوز ثلاثة أمتار خلال عامين فقط. وأشار إلى أن المشروع يهدف إلى زرع مليون شتلة في المرحلة الأولى، من أصل 11 مليون شتلة يخطط لزراعتها في مناطق خور الزبير والفاو.
يقول الباحث البيئي أسعد كاظم لـ"العربي الجديد": "تقف أسباب بشرية وطبيعية خلف التحديات البيئية الخطيرة التي تهدد العراق، ويجب تكثيف الزراعة البرية والبحرية، خصوصاً لأشجار المانغروف، وجعل غاباتها تمتد على طول السواحل البحرية لمحافظة البصرة التي تمثل الإطلالة العراقية الوحيدة على البحر".
يضيف: "يواجه العراق تدهوراً بيئياً خطيراً نتيجة عوامل عدة، أبرزها الجفاف والتصحر وارتفاع درجات الحرارة بشكل متزايد، إضافة إلى التلوث الناتج عن الأنشطة الصناعية والنفطية وسوء إدارة الموارد المائية، والعوامل البشرية، مثل تجريف الأراضي الزراعية، وغياب الوعي البيئي والتجاوزات على المسطحات المائية، فاقمت هذه المشاكل".
ويتحدث الباحث البيئي حسين النداوي لـ"العربي الجديد" عن أن "أشجار المانغروف تعدّ الحل الأمثل لمواجهة المخاطر البيئية، من خلال استغلال السواحل البحرية لمحافظة البصرة، وهي أثبتت نجاحها الكبير في تحمّل الظروف البيئية الصعبة مثل الحرارة المرتفعة وملوحة المياه". يتابع: "اقترح المتخصصون البيئيون منذ سنوات تكثيف زراعة غابات أشجار المانغروف كي تلعب دوراً مهماً في حماية البيئة من خلال امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وتقليل آثار التغير المناخي، وتعزيز التنوع البيولوجي، إضافة إلى دعم الاقتصاد المحلي عبر توفير فرص عمل لسكان المناطق الساحلية، والجهود الحكومية مشجعة وتحظى بدعم جميع العاملين في المجال البيئي، لا سيما أنه يدري تنفيذ خطة حكومية طموحة لجعل غابات المانغروف تحتل سواحل العراق".
ويشير إلى أن المنظمات الدولية ومؤسسات القطاع الخاص تدعم الخطة، لضمان تنفيذ مشاريع بيئية مستدامة تحافظ على بيئة العراق وتقلّل المخاطر التي تهدد حياة المواطنين واستدامة الموارد الطبيعية.
وكان مركز علوم البحار في جامعة البصرة، باشر في مارس/آذار 2022، بزراعة المانغروف، للمرة الأولى في سواحل العراق، بالتعاون مع الحكومة المحلية، ثم توسّعت المبادرة في العام التالي حين أسس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مشتلاً خاصاً لإنتاج شتول المانغروف بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون شتلة سنوياً.
وتهدف هذه المبادرة الطموحة إلى الحفاظ على النظام البيئي، وتعزيز التنوع البيولوجي، واحتجاز الكربون، وتخفيف آثار التغيّرات المناخية، إضافة إلى دعم المجتمعات المحلية والصيادين عبر خلق مصادر دخل مستدامة، ما قد يشكل نقلة نوعية في مواجهة التحديات البيئية في العراق.
ويقول الخبير الزراعي المهندس شاكر الدليمي لـ"العربي الجديد": "تمتلك أشجار المانغروف خصائص فريدة تجعلها قادرة على النمو في السواحل العراقية، فهي تتحمّل الظروف البيئية الصعبة مثل الملوحة العالية ودرجات الحرارة المرتفعة، وتساعد جذورها الهوائية في الحفاظ على تماسك التربة ومنع انجرافها، وهو ما تعاني منه السواحل العراقية المهددة بالتآكل".
ويشير إلى "نجاح تجارب زراعة المانغروف في دول عدة، خصوصاً في دول الخليج التي أصبحت جزءاً من المنظومة البيئية لسواحلها، وساهمت في تعزيز الحياة البحرية وحماية السواحل من التآكل، كما وفرت موائل طبيعية للأسماك والطيور والكائنات البحرية المختلفة، والسير على خطى هذه الدول سيساهم في إنقاذ بيئتنا الساحلية".
ويتحدث الدليمي عن المنافع الكبيرة التي ستوفرها غابات المانغروف للعراق، "فهي ستُشكل قيمة اقتصادية كبيرة يمكن استغلالها من الناحية السياحية حين تتحوّل إلى غابات بحرية خلابة تستقطب السياح، وتوفر مصدر دخل مهم للسكان المحليين والمجتمعات الساحلية، والجهات الرسمية تعلم جيداً قيمة هذه الأشجار".