مسارات القضية الفلسطينية المتوقعة لسنة 2026
<p style="text-align: justify;"><meta charset="utf-8" />سيتركز المسار العام لقضية فلسطين سنة 2026 على محاولة الإسرائيليين والأميركان وحلفائهم، معالجة آثار ما بعد طوفان الأقصى، ومحاولة ترميم صورة إسرائيل وإعادة تأهيلها في البيئة العربية والدولية، وإيجاد ظروف أنسب للتطبيع و"الاتفاقات الأبراهامية".</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">كما سيتم التركيز على إخراج حماس من المعادلة السياسية الفلسطينية، ونزع قدراتها العسكرية. وستحاول سلطة رام الله ملء الفراغ السياسي والإداري في قطاع غزة، بالرغم من أنها ستعاني من تراجع واستنزاف في الضفة الغربية، مع سعي الاحتلال الإسرائيلي لإحداث فراغ في الضفة، في إطار إجراءات الضم والتهويد المتصاعدة هناك، وستبقى القدس العنوان الأبرز لمعركة الهوية والتهويد.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">غير أن خطة ترامب ستواجه صعوبات في التطبيق في القطاع مع احتمالات فشل عالية. وهناك احتمالات قوية لسقوط تحالف الليكود والصهيونية الدينية في انتخابات الكنيست، واضطرار الكيان الإسرائيلي لسياسات أكثر براغماتية. وستعاني حماس من تضييق واستهداف كبير، إلا أن حفاظها على تماسكها، وقدرتها على التكيف، ستمكّنها من تجاوز عنق الزجاجة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="color:#0033cc;"><strong>الوضع الداخلي الفلسطيني</strong></span></p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ما دام محمود عباس باقيا على رأس منظمة التحرير والسلطة في رام الله، فليس من المتوقع حدوث انفراج حقيقي على مستوى ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستبقى الإجراءات التي اتخذها عباس بشأن انتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد وتجديد المؤسسات التمثيلية والتنفيذية فاقدا قيمته الشعبية والقانونية، ما دام مصرا على استبعاد حماس وقوى المقاومة من أي انتخابات محتملة؛ وهي انتخابات لن يسمح الاحتلال- على الأغلب- بعقدها في الداخل، كما لا تجد بيئة مواتية في الخارج.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ستسعى سلطة رام الله للحلول مكان حماس في إدارة قطاع غزة، وستقدم نفسها "وكيلا" مناسبا لنزع أسلحة المقاومة. غير أنها بالرغم من تعاونها الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي وقيامها بجهود استثنائية في مطاردة المقاومة وقمعها في الضفة الغربية، فإنها ستجد صعوبة كبيرة في إقناع الاحتلال بإدارة القطاع، إذ إنها من ناحية لم تحقق معايير الاحتلال المطلوبة، كما أن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تسعى لتفكيك السلطة نفسها في الضفة في إطار إجراءاتها لضم الضفة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ومع ذلك، فقد تشهد سنة 2026 انتشارا للشرطة الفلسطينية التابعة لرام الله ضمن ضوابط إسرائيلية، حيث يتم هذه الأيام تدريب وتجهيز نحو 12 ألف شرطي فلسطيني من غزة لهذه المهمة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وفي المقابل ستسعى حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والعديد من القوى الفلسطينية إلى متابعة الضغط باتجاه إصلاح البيت الفلسطيني، أو إيجاد أطر تنسيقية لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها القضية، وتفعيل العمل الشعبي في الداخل والخارج.</p>
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="color:#0033cc;"><strong>المقاومة</strong></span></h3>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ستعاني حماس وقوى المقاومة من محاولات شطب وإلغاء سياسي وشعبي، وتشويه إعلامي عربي وإسرائيلي وغربي، مع سعي حثيث لنزع أسلحتها بوسائل الضغط المختلفة، وتجفيف مصادر دعمها المالية.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">غير أن تماسك حماس التنظيمي، وانتماءها الرسالي الأيديولوجي، وخبرتها التاريخية، وطبيعتها المرنة وقدرتها على التكيف، مع وجود قاعدة شعبية صلبة، ورصيدها المقاوم، وتضحياتها على مستوى القيادة والكوادر، سيعطيها فرصا قوية لتجاوز المأزق، والخروج بشكل أقوى كما حدث أكثر من مرة قبل ذلك.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستتعرض القوى ذات الإمكانات العسكرية المتبنية خط المقاومة في إيران، ولبنان، واليمن، والعراق لضغوط كبيرة؛ وربما أمكن التضييق عليها، وإضعاف قدراتها، غير أنها تملك متطلبات البقاء والاستمرار ومجابهة التحديات.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">كما ستتعرض القوى الشعبية والتيارات الإسلامية المؤيدة للمقاومة في البيئة العربية للمزيد من المعاناة ومحاولات التهميش، في ضوء الضغوط الإسرائيلية الأميركية على البيئة العربية والإسلامية، لتطبيق المعايير الإسرائيلية الأمنية على حياة شعوب المنطقة. وهو ما سيشحن هذه البيئات بمزيد من عناصر الغضب والاحتقان والإحباط، التي قد تزيد من حالة اللااستقرار، وتهيئ لبيئات التغيير في المنطقة.</p>
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="color:#0033cc;"><strong>الكيان الإسرائيلي</strong></span></h3>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ستظل إسرائيل مسكونة بهاجس الأمن وغرور القوة، ومحكومة بعقلية متطرفة فاقدة للاتزان الإستراتيجي بانتظار انتخابات الكنيست. وسيتم إنفاق مبالغ ضخمة لتطوير أداء الجيش الإسرائيلي، كما ستُبذل جهود كبيرة لتحسين الأداء الاقتصادي.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستحاول إسرائيل ترميم صورتها الخارجية، كما ستحاول تجاوز آثار وانعكاسات طوفان الأقصى عليها وتحويل "ملف قطاع غزة" إلى ملف فرعي إجرائي وتهميشه، بحيث لا يكون محط الاهتمام العربي والعالمي، وبالتالي الاستفراد به، والسعي لمتابعة ضغوطها العسكرية والاقتصادية والأمنية والسياسية، لتطويع القطاع وفق معاييرها وشروطها. وستتلكأ في الانسحاب من القطاع بذريعة عدم إنفاذ جميع مطالبها.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">غير أن إدامة معاناة قطاع غزة، واستمرار سلوكها الأمني وعدوانها، سيتسببان في إثارة حالة غضب واستياء قد تؤدي إلى ضغوط عالمية متزايدة على الاحتلال، كما قد تؤدي إلى إفشال خطة ترامب؛ مما قد يضطر إسرائيل إلى إبداء بعض المرونة والاستجابة المحسوبة لبعض المطالب.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">ستتابع حكومة نتنياهو المتطرفة عملية تهويد القدس وباقي الضفة الغربية بمزيد من الاندفاع والفاعلية، وستسعى لتكريس التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وللإلغاء العملي للوصاية الهاشمية على المقدسات.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">كما ستحاول إسرائيل فرض معادلتها الأمنية على البيئة الإستراتيجية المحيطة، وسوف تحاول تكييف المنطقة العربية (الشرق الأوسط) وفق المعايير الإسرائيلية، بدل أن تقوم هي بتكييف نفسها مع هذه المنطقة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستواصل ابتزازها للبنان وسوريا سياسيا وعسكريا وأمنيا، والمحافظة على شريط أمني في جنوب لبنان، وجنوب غرب سوريا بسيطرة مباشرة أو غير مباشرة. كما ستواصل سياسة التفتيت ودعم الأقليات واستثارة مخاوفها.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وما زال من المبكر الحكم على انتخابات الكنيست القادمة (المتوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2026، والتي من المحتمل تقديمها)، غير أن استطلاعات الرأي حتى الآن تشير إلى احتمالات عالية لفوز المعارضة، وسقوط تحالف الليكود مع الصهيونية الدينية، وتشكيل نفتالي بينيت بديلا قويا لنتنياهو. وهو في كل الأحوال لا يقل عن نتنياهو يمينية ولا تطرفا.</p>
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="color:#0033cc;"><strong>العالم العربي والإسلامي</strong></span></h3>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">غالبا ما ستتابع مصر وقطر دورهما في الوساطة بشأن إنفاذ المرحلة الثانية من خطة ترامب؛ وستحاول الدول العربية إدخال تعديلات على الخطة لتكون أكثر واقعية، من خلال تحويل مهمة "مجلس السلام" إلى مهمة إشرافية متعلقة بضمان وقف الحرب وإدخال المساعدات وإعادة الإعمار، وتحويل مهمة "قوة الاستقرار الدولية" إلى مهمة مرتبطة بخطوط الهدنة وليس بنزع أسلحة حماس، وإعطاء دور أكبر للسلطة الفلسطينية في القطاع، ومنع التهجير، والدفع باتجاه مسار تسوية يؤدي إلى حل الدولتين.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستسعى الدول العربية للضغط باتجاه الانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان وسوريا، كما ستسعى بعض الدول في الوقت نفسه إلى إضعاف خط المقاومة في البيئة العربية وتحييد الدور الإيراني. وقد تمارس ضغوطا على حماس دون أن تدخل في مواجهات مكشوفة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستواصل السعودية مقاومة الإلحاح الأميركي للدخول في مسار التسوية مع إسرائيل، وتصر على شروط ليست إسرائيل في وارد قبولها.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستسعى الدول العربية عموما إلى تجنب أي مواجهة مع الولايات المتحدة وستحاول امتصاص ضغوط ترامب ما أمكن. ولعلها تندفع أكثر باتجاه تنويع قوتها العسكرية (كما فعلت السعودية ومصر) للتقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة والدول الغربية.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستتابع إيران بناء قدراتها النووية والصاروخية، والإعداد لمواجهة عدوان إسرائيلي واسع محتمل، كما لن تتوقف عن دعم قوى المقاومة ولو بطريقة محسوبة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وفي الوقت نفسه، ستحاول تجنب الصدام مع الولايات المتحدة، ومتابعة المفاوضات بشأن برنامجها النووي، والتركيز على التنمية الاقتصادية وتقوية البنية الداخلية.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستحافظ تركيا على مواقفها العامة تجاه قضية فلسطين وخصوصا القدس، وستتابع نقدها للسلوك الإسرائيلي، وستسعى للوصول إلى معادلة تكون فيها طرفا فاعلا في الشأن السوري مع تجنب الصدام مع الكيان الإسرائيلي. وقد تظهر بعض مؤشرات العودة للتطبيع التدريجي مع إسرائيل مع بدء التحسن النسبي للأوضاع في غزة.</p>
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="color:#0033cc;">البيئة الدولية</span></h3>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">سيسعى ترامب إلى إنفاذ المرحلة الثانية من خطته لقطاع غزة، غير أنه سيواجه صعوبات كبيرة؛ بسبب وجود جوانب غير عملية مثل "مجلس السلام" و"قوة الاستقرار" ونزع أسلحة المقاومة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وقد يأخذ ترامب خطا براغماتيا في تكييف الخطة وتمريرها من خلال تحصيل أو فرض "تنازلات" أو مرونة أكبر إسرائيليا وفلسطينيا وعربيا؛ غير أن استرضاء إسرائيل سيظل معيارا حاكما لسياساته.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">سيظل عمل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يراوح في مكانه، في إطار الجوانب الإجرائية دون تحقيق نتائج ملموسة؛ لكن استمراره سيظل ضروريا لإبقاء إسرائيل مثقلة بالضغوط والاستتباعات القانونية.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وستتابع الصين وروسيا سياساتها التقليدية تجاه قضية فلسطين، وستحاولان لعب أدوار محسوبة، ولكن دون مواجهة أو تحدي الجانبين: الأميركي، والإسرائيلي؛ مع السعي لملء الفراغات التي تتسبب بها سياسة ترامب في المنطقة في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والأمنية.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">أما الدول الأوروبية فستتابع سياساتها التقليدية مع محاولة الدفع باتجاه حل الدولتين، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة، ودعم سلطة رام الله، ونزع أسلحة المقاومة. غير أنها من المستبعد في المدى القريب أن تفرض إجراءات أو عقوبات مؤثرة على إسرائيل، وإنما ستركز على تسجيل مواقف تفتقر للمضامين العملية الفعالة.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">وباختصار، فإن مسار سنة 2026 سيتركز على متابعة مرحلة ما بعد طوفان الأقصى. وستشهد هذه السنة الكثير من التدافع وصراع الإرادات، المتعلق بطريقة إنفاذ خطة ترامب في قطاع غزة، ومستقبل القدس والضفة الغربية، ومستقبل السلطة الفلسطينية، ومستقبل المقاومة وسلاحها.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">والشعب الفلسطيني الذي تعرض ويتعرض للكثير من المعاناة وتتعرض قضيته لمحاولات الشطب والإلغاء قادر على تجاوز المرحلة وفرض إرادته من جديد، خصوصا إذا ما تعاونت قواه المختلفة على تحقيق الحد الأساس من المصالح العليا للشعب الفلسطيني.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">تم أخذ التوقعات السابقة وفق المعطيات والتحليلات المتوفرة؛ أما ما يعرف بسيناريوهات "البجعة السوداء" التي تتسم بالندرة والمفاجأة وعظمة التأثير (مثلا: تغير نظام سياسي، وفاة زعيم كبير…)؛ فلا يبنى عليها؛ وإن كان من الواجب وضعها في الاعتبار، في بيئة تعيش حالة من اللااستقرار والتشكل وإعادة التشكل.</p>
<p dir="rtl" style="text-align: justify;">والله أعلم، وله الأمر من قبل ومن بعد. </p>
<p style="text-align: justify;"> </p>