قلق أردني من انتشار الفصائل العراقية على الحدود
كشف مسؤولان عراقيان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أن الأردن عبّر للعراق عن قلقه من انتشار الفصائل العراقية الموالية لإيران على مقربة من الحدود الدولية الأردنية العراقية من جهة محافظة الأنبار، وذلك في ظل تصاعد التوتر بالمنطقة وإمكانية اتساع دائرة الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي، وطرح إمكانية أن تكون الأجواء الأردنية معبراً للهجمات الصاروخية والمسيرات المفخخة.
وانتشرت مجموعات من الفصائل العراقية المسلحة، ضمن "الحشد الشعبي"، في المناطق الحدودية مع الأردن وسورية، وأجرت العديد من العمليات الأمنية والعسكرية قرب الحدود، علماً أن منطقة الرطبة العراقية المحاذية للأردن باتت مركزاً لهذه الفصائل.
مسؤول في الخارجية العراقية: لن يكون هناك أي خطر على دول الجوار
وشهدت الأشهر الماضية اعتصاماً لأنصار تلك الفصائل المسلحة على الحدود العراقية ــ الأردنية وقطعاً للطريق، احتجاجاً على عدم وقوف الأردن إلى جانب غزة، وفقاً للفصائل، التي منعت أيضاً عبور الشاحنات التجارية بين البلدين. وأمس الاثنين، تحدث مسؤولان عراقيان، أحدهما نائب في البرلمان والآخر في الخارجية العراقية، لـ"العربي الجديد"، عن "قلق" أردني متصاعد من انتشار الفصائل على الحدود، وإبلاغ العراق بذلك بشكل رسمي.
وأكد عضو البرلمان الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "الجانب الأردني أبلغ العراق قبل أيام قلقه من وجود عناصر الحشد الشعبي بمختلف الأسلحة قرب الحدود، وإمكانية استغلال هذا الانتشار للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل من خلال استخدام سماء الأردن في قصف بعض الأهداف، وهذا ما يصعد الموقف ويجعل عمّان جزءاً من ساحة الحرب". وأكد عضو البرلمان أن العراق "قدم تطمينات عدة للجانب الأردني، بعدم وجود أي خطورة من انتشار هذه القوات قرب الحدود، وأنها قوات رسمية مرتبطة بالحكومة، كما أنها ليست وحدها من تمسك الحدود، بل هناك قوات من حرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية العراقية".
بدوره، أكد مسؤول آخر بوزارة الخارجية لـ"العربي الجديد"، أن "بغداد أكدت في أكثر من مناسبة أن وجود الحشد الشعبي في المناطق الصحراوية والمفتوحة هدفه منع إعادة تنظيم داعش لترتيب صفوفه، ولن يكون هناك أي خطر على دول الجوار من العراق". وكشف أن "العمليات التي نفذتها فصائل عراقية ضد أهداف إسرائيلية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، كانت من داخل سورية ولا علاقة بالوجود الحالي للحشد الشعبي في مدينة الرطبة المحاذية للأردن بأي نشاط خارج الحدود". وأوضح أن "الأردن مهتم بمنع اختراق سيادة أجوائه في حال قررت الفصائل العراقية توسيع عملياتها ضد الاحتلال الإسرائيلي".
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علاوي البنداوي، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق أرسل رسائل اطمئنان إلى دول الجوار، بما فيها الأردن بأنه لن يقبل أن يكون منطلقاً لإلحاق الضرر بأي من دول الجوار، وهناك تشديدات أمنية على الحدود، في ظل التطورات الأخيرة في المنطقة، والعراق يعمل على إبعاد نفسه عن دائرة الصراع بأي شكل من الأشكال".
وأضاف البنداوي وهو عضو في تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم بالعراق، أنه "لا يوجد أي مبرر للأردن للقلق من وجود قوات الحشد الشعبي قرب الحدود، فهذه قوات تعمل على تأمين وضبط الحدود، وهي لا يمكن لها العمل بأي شيء خارج السياقات العسكرية الرسمية". وأكد البنداوي أن "قوات الحشد الشعبي كان وما زال لها دور كبير ومهم في ضبط وتأمين كامل الحدود العراقية من جهة سورية من الغرب والشمال، وكذلك الحدود مع الأردن، وهي موجودة وفق أوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية (رئيس الحكومة محمد شياع السوداني)، وأهدافها عسكرية وليس لها أي أجندة سياسية أو غيرها بهذا الوجود".
محمد علي الحكيم: الحكومة لا تسيطر على كل تحركات الفصائل
الخبير بالشأن السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القلق الأردني من انتشار الفصائل العراقية على الحدود تحت مظلة الحشد الشعبي، أمر طبيعي". وأضاف أن "الحكومة لا تسيطر على كل تحركات الفصائل، ولهذا عمّان قلقة رغم كل رسائل التطمين من بغداد". ولفت الحكيم إلى أن "انتشار الفصائل العراقية على الحدود مع سورية وكذلك الأردن، له أجندة سياسية واقتصادية، ولهذا السبب يخشى الأردن الانتشار العسكري، في ظل التوتر في المنطقة وتهديد الفصائل العراقية بالتصعيد ضد الأهداف والمصالح الأميركية والإسرائيلية، خصوصاً ان الأردن استُهدف سابقاً بمقتل وإصابة عدد من الجنود الأميركيين"، في إشارة إلى مقتل ثلاثة عسكريين أميركيين وجرح 34 آخرين، في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، إثر استهداف مقرهم الواقع في البرج 22، في الركبان الأردنية بطائرة مسيرة.
وأضاف الحكيم أن "الحكومة العراقية في حرج، فمن جهة لا تستطيع السيطرة على تحركات الفصائل العراقية، ومن ناحية ثانية هي محرجة أمام الرأي الدولي بالإيفاء بوعودها بإبعاد العراق عن دائرة الصراع، لكن العراق جزء من ساحة الصراع واتساع الحرب في المنطقة سيدفع العراق لأن يكون جزءاً منه، لوجود ارتباطات عقائدية وسياسية ضمن ما يُعرف بمحور المقاومة الذي يعمل منذ أشهر وفق سياسة الساحة الواحدة".
ورأى الخبير الأمني والعسكري الأردني جلال العبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه في حال جرى الاتفاق، خلال زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى طهران أمس، مع القائم بأعمال وزارة الخارجية الإيرانية علي باقري كني حول القضايا المتعلقة بهذه الفصائل، فإنها لن تقوم بأي شيء مزعج تجاه الأردن أو بأمر يهدّد سيادته، موضحاً أن إيران قادرة على ضبطها.
وقال: "دائماً يجب التواصل مع الجانب العراقي للحفاظ على الهدوء على الحدود، لكن هذه الفصائل لا تشكل خطورة حقيقية على الأردن، وإذا أرادوا دعم الشعب الفلسطيني عليهم تجنّب إحراج الأردن"، مشيراً إلى أن "دخول مُسيرة أو مرور صاروخ لا يهدد الأردن، فالأردن ليس دولة كرتونية تهتز مع الريح، فهي دولة راسخة، لها جذور وقادرة على حماية ذاتها، ولا داعي للقلق، فنحن لسنا مهددين عسكريّاً".
وأضاف: "هذه الفصائل إذا أرادت إلحاق الأذى بإسرائيل فهناك جبهة الجولان والحدود الغربية مع سورية أيضاً، وهذه الفصائل التي تتعاون مع إيران، يمكنها أن تكون أكثر قرباً من أهدافها عبر جبهة الجولان، فهي مفتوحة، خاصة أن العديد من المليشيات المقربة من إيران قريبة منها". وتابع أن "هذه الفصائل قامت سابقاً بإطلاق طائرات مُسيرة تجاه إيلات والأراضي المحتلة، لكن ما يحدث قرب الحدود الأردنية يأتي في إطار إرسال رسائل عبر الإعلام، ومن يريد الحرب في فلسطين يمكنه الوصول بوسائل أخرى دون اعتبار الأردن عائقاً، فهناك الكثير من الوسائل لدعم الشعب الفلسطيني". وأوضح أن "الأردن يعاني بشكل كبير اقتصادياً، وليس من خياراته الدخول في حرب مع إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة، التي تقدم مساعدات تقترب من ملياري دولار سنوياً للأردن، كما يعتمد الأردن كثيراً على المساعدات المقدمة من دول الاتحاد الأوروبي".