يتحدث الحاج شوا وهو يرمق مئات المواطنين الذين يمرون أمامه كالأيام الخوالي بعد انقطاع دام 12 عاماً نتيجة التدمير الممنهج لأسواقها على أيدي المجموعات الإرهابية المدعومة من الغرب: "حرمنا الإرهابيون من تراثنا وأرزاقنا وأسواقنا، التي تعد أغلى من عيوني، فهي أرث أجدادي ومستقبل أولادي، واليوم سوق الحدادين وجميع الأسواق المرممة عادت بهلة أبهى من السابق، بفضل اهتمام الرئيس بشار الأسد الكبير بإعادة إحيائها".
يضيف الحاج الحلبي لـ"سبوتنيك" على هامش افتتاح أسواق "الحدادين والأحمدية والسقطية 2 والحبال" لأربعة أسواق في المدينة القديمة: "سوريا، وحلب خصوصاً مر عليها الكثير، لكنها سترجع أقوى وأجمل، لكنها تحتاج إلى متابعة، حيث يتوجب الانتهاء من ترميم الجامع الأموي، وإلزام التجار الذين يفتحون محلات في المناطق الحديثة بالعودة إلى المدينة القديمة، التي يعد العمل فيها بركة ورزق".
وبذات الهمة والمحبة، يتحدث شيخ كار الحبال يوسف بوسطه جي، الذي قضى في سوق الحبال أكثر من 75 عاماً، بينما يزيد عمر محله عن 150 عاماً، حيث اشتغل فيه أبيه وجده، لكنه أجبر خلال سنوات الحرب، إلى ترك محله، واليوم يعود إليه ويستذكر تلك الأيام الجميلة والمباركة، فلمكان رمزيته التاريخية والدينية.
ويقول لـ"سبوتنيك": "بعودة سوق الحبال مع بقية الأسواق المرممة ردت إلي روحي وشبابي، فأنا على أبواب الـ88 عاماً، وكأن الحياة دبت في عروقي من جديد مع إحياء المدينة القديمة".
ويشدد بثقة العارف وهو يغزل خيوط القنب بمهارة فائقة، حتماً المدينة القديمة ستعود كمركز تجاري هام، فحلب على مر التاريخ تعرضت إلى حروب وظروف قاهرة لكنها استطاعت النهوض بفضل أبنائها المنتجين، واليوم سترجع أقوى لكنها تحتاج إلى إعفاءات وتسهيلات لتمكين أهلها من الإنتاج.
افتتاح الأسواق الأربعة الواقعة على محور الشارع المستقيم من باب أنطاكيا باتجاه مدخل قلعة حلب يشكل خطوة هامة سيكون له دوره بتنشيط عجلة الإنتاج الاقتصادي في أسواق المدينة القديمة، وهو ما يؤكده التاجر غسان مهروسة "شرقيات"، الذي تحدث عن رمزية افتتاح هذه الأسواق في المدينة القديمة، التي كانت مولاً تجارياً ضخماً يجد فيه الزبائن كل احتياجاتهم دون الحاجة إلى الذهاب إلى سوق أخر.
وبين مهروسة أن الأسواق المرممة حافظت على الشكل التراثي بحلة جديدة، فالحكومة السورية قامت بكل مسؤولياتها اتجاه المدينة القديمة، وحالياً يأتي دور تجارها عبر فتح محالاتهم، والمساهمة بتفعيل الحركة التجارية والسياحية، التي تعد ضعيفة ولا تقاس بباقي المدن السورية، وهذا مرده إلى عدم تشغيل مطار حلب الدولي برحلات أكبر.
وهذا أمر يجب تعديله عبر زيادة عدد الرحلات بغية تشجيع السياح العرب والأجانب إلى مدينة حلب، التي تعد أقدم مدينة في التاريخ.
ويؤكد أن رغم الحرب والحصار لا يزال يصدر منتجات المشغولة يدوياً إلى الدول العربية وخاصة العراق والسعودية.
ويؤكد التاجر محمود حسكل، أن "الشغل في أسواق المدينة القديمة معنوي أكثر منه مادي، فهي ليست تجارة فقط وإنما روح وذكريات، والعمل فيها له نكهة خاصة يختلف عن أي مكان بالعالم، وقد حرمهم الإرهابيين من هذه المتعة، مشدداً على ضرورة حل مشكلة النقل والمواصلات من جهة باب انطاكيا والسبع بحرات على نحو يسهل قدوم الزبائن إلى المدينة القديمة وخاصة من الأرياف، الذين يعدون الزبائن الأساسين".
إلزام التجار بافتتاح محالهم
ورغم تأكيد التاجر مصطفى مصري على أهمية خطوة افتتاح الأسواق الأربعة لكنه يركز في حديثه لـ"سبوتنيك" على أهمية افتتاح سوق الزهراوي المقابل للجامع الأموي وخاصة أن أغلب المحال قد رممت لكن تجاره لا يفتحونها لاستئجارهم محالات في المناطق الحديثة، مطالباً بإلزام تجار هذا السوق وغيرهم بفتح محالهم للمساهمة في تحريك عجلة التجارة في المدينة القديمة كسابق عهدها.
ونوه المهندس طلال خضير، رئيس اتحاد غرف السياحة السورية، بالتفاؤل الذي درج على ألسنة تجار المدينة القديمة والشركات السياحية، إذ أن افتتاح الأسواق الأربعة ضمن خطة ربط الشارع المستقيم بكل الأسواق المتفرعة من باب انطاكيا انتهاء بمدخل القلعة، يعد انجازاً هاماً وخاصة عند الانتهاء من ترميم سوقي الزرب والعبي، الذين سيبدأ ترميمها قريباً.
وأضاف رئيس اتحاد غرف السياحة إلى أنه بعد إتمام ترميم هذه الأسواق ستشهد حلب ولادة وانبعاث من تحت رماد الحرب الإرهابية التي ضربتها خلال عقد من الزمن، إذ أن هذا المحور التراثي يعد أهم المحاور السياحية في مدينة حلب، والانتهاء منه يعني اكتمال هذه الشبكة التي كانت أكبر مول تجاري في العالم، ما سيؤدي تلقائياً إلى تنشيط الحركة التجارية والسياحية.
وشدد خضير على أن القيادة السورية قدمت كل الدعم لإعادة إحياء المدينة القديمة، فتجارها عادوا إلى فتح محالاتهم بعد جملة الاعفاءات والمحفزات الممنوحة بموجب المرسوم الرئاسي، لكن المهم أيضاً عودة كامل سكانها في ظل وجود أحياء سكنية متداخلة مع أسواقها، وقد ساهم في تأمين الكهرباء لهذه المناطق في عودتهم، التي تتطلب أيضاً إجراءات إضافية، مع ضرورة ربط الأسواق بتأمين وسائل مواصلات تسهم بقدوم الزوار والزبائن إليها من كافة المناطق وخاصة الأرياف.
رئيس غرفة تجارة حلب عامر الحموي وصف افتتاح الأسواق القديمة الأربعة بالخطوة الاستراتيجية كونها تشكل عصب اقتصادي وتجاري هام وتعد أسواق خير وبركة.
ودعا الحموي كل تجار حلب لإعادة تفعيل محلاتهم في هذه المنطقة والمناطق المجاورة والاستفادة من المرسوم رقم 13 المتضمن إعفاءات هامة لمدة خمس سنوات، علماً أن هناك تعاون وعمل مستمران لإعادة التجار لفتح محالاتهم في الأسواق القديمة كونها تخدم أسواق المحافظات والأسواق العربية وليس أهالي حلب فقط، مع الاحتفاظ بمحالهم في المناطق الحديثة بالوقت ذاته.