الشيخ الخطيب “للنافخين في نار الفتنة”: كفى تزويراً للحقائق وتحميل المقاومة أسباب الانهيار وسوف يظهر الكاذب ويبين عما قريب
أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة في مقر المجلس بعد ان القى خطبة الجمعة وقال فيها “تطل علينا الذكرى السادسة والأربعون المشؤومة لتغييب سماحة الامام القائد السيد موسى الصدر وأخويه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الأستاذ عباس بدر الدين في عملية غادرة ودنيئة لم يسبق لها مثيل خلافا لمقتضيات الضيافة الرسمية لمرجعية دينية وقيادة جماهيرية وفكرية وجهادية من قبل السلطة الليبية وعلى رأسها المقبور معمر القذافي، بعد دعوة رسمية من قبله للمشاركة في احتفال رسمي حاولت السلطة الليبية الغادرة أن تتنصل من الجريمة وتنكر أولا وصولهم إلى ليبيا ثم تدعي مغادرتهم الى روما في محاولة مكشوفة تم دحضها من قبل السلطات الإيطالية التي تم التلاعب بها والتراجع عن قرارها بضغط وإغراء من قبل الحكم الليبي الفاسد وروايات اخرى روَّجها من أجل التضليل مصرا على الاستمرار بعملية الاخفاء استكمالا للمؤامرة التي حيكت في غرف المخابرات الدولية المظلمة وأوكل تنفيذها لأداتها الحقيرة بشخص القذافي المقبور ظنا منهم أن هذه القضية ستقبع في زاوية النسيان وستنتهي بمرور الأزمان والأيام، ولم يعلموا انها ستتحول إلى قضية على قدر القضايا التي حمل الامام همها من إحباط المخطط الشيطاني لتقسيم لبنان وإثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين وصولا إلى تقسيم المنطقة العربية والاسلامية إلى دويلات طائفية ومذهبية تكون ضحيتها الاولى القضية الفلسطينية
التي نبَّه منها ووقف في مواجهتها وشكَّل الحاجز القوي لإفشالها، والتي أدركنا على مدى الاحداث التي اعقبت عملية التغييب مدى عمق وبعد ونضج هذه الشخصية الفذة والأسباب الحقيقية لهذه المؤامرة، خصوصاً انها أتت متزامنة مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني (قدس سره)، وخطورة المهمة التي يمكن للإمام الصدر القيام بها في التنسيق بين الثورة الناشئة التي وضعت القضية الفلسطينية على رأس اهتماماتها وبين العالم العربي وما يمكن أن يُحدِثه من انقلاب في موازين القوى لصالح القضية الفلسطينية والعالمين العربي والإسلامي والحؤول دون سوء التفاهم الذي حدث.
وكان المشروع الغربي وربيبه الكيان الصهيوني هو المستفيد الأوحد على حساب العرب والمسلمين وقضيتهم الاولى التي هي القضية الفلسطينية، وكان من نتائجها الكارثية هذا التحول نحو التقارب مع العدو الحقيقي للأمة والسير بالمخطط الغربي لجعل كيان العدو الغاصب حليفاً والحليف الحقيقي الجمهورية الاسلامية عدواً وإثارة الفتنة المذهبية واستعداء الأمة بعضها للبعض الآخر وخوضها حروباً عبثيةً بينية لم يكن باستطاعة الأعداء أن يستمروا في حروب الابادة العدوانية على الشعب الفلسطيني خصوصاً اليوم في غزة والضفة الغربية وربما غداً في الداخل الفلسطيني لولا الوقوع في هذا الفخ الذي دفع البعض إلى الاستجارة بوهم الخوف والعجز عن إيجاد صيغة للتفاهم والتفهّم لعمقهم الاستراتيجي الذي جاءهم على غير انتظار وهو الثورة الاسلامية الايرانية لفقدهم العنصر القادر على القيام بهذا الدور الذي يمثله الامام السيد موسى الصدر”.
تابع :”لقد كان تغييب الامام القائد السيد موسى الصدر تغييباً لهذا العنصر تآمراً على الثورة الاسلامية وعلى العالم العربي وعلى القضية العربية الاسلامية القضية الفلسطينية التي أخذت جُلّ اهتمامه، وكذلك الأطماع الإسرائيلية في جنوب لبنان والتي دعته الى تأسيس المقاومة بعد أن تلكأت السلطة في القيام بواجبها في الدفاع عن سيادة لبنان، وتآمراً على الثورة الاسلامية الايرانية على قضية العرب والمسلمين في أن يكون العالم العربي متفاعلاً ومتعاوناً لتؤدي دورها بوصفه عمقها الاستراتيجي وسندها وظهيرها وخسرها العالم العربي كذلك والقضية الفلسطينية التي كانت المتضرر الأكبر لأن الصراع المفتعل فتح الباب أمام التطبيع وانتهت كأولوية في الاهتمام العربي.
لقد كان لتغييب الامام السيد موسى الصدر كل هذه الأبعاد وكانت المؤامرة التي نفذها معمر القذافي والسلطة الليبية بهذا الحجم الذي لم تعفه هذه الخدمة للغرب والعدو الصهيوني من المصير الأسود الذي لقيه وهو المصير المحتوم لكل العملاء الذين حين تنتهي خدمتهم يتم التخلّص منهم.
ونقول للسلطة الليبية أن هذا الملف لن يُغلق ما دام الامام السيد موسى الصدر وأخويه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين لم يُطلق سراحهم، والمطلوب منها التجاوب والتعاون مع الجهة الرسمية اللبنانية القضائية المكلفة من الحكومة اللبنانية بمتابعة هذه القضية وعدم الاستمرار في التهرب من مسؤولياتها فالحكم استمرار وإلا فهي ستكون شريكة في الجريمة وتتحمّل كافة التبعات”.
أضاف :”إنّنا نفتقد اليوم لهذا القائد الذي لم يتوانّ عن خدمة وطنه وشعبه وعن تحمل مسؤوليته في هذا الشأن بكل شجاعة وترفّع عن المصالح الشخصية والفئوية والمذهبية منسجماً مع مبادئه وقيمه التي جعلته ينحاز إلى الإنسان كقيمة يجب احترامها بغض النظر عن اعتقاده أو دينه أو مذهبه أو طائفته أو عرقه.
كما كان الامام السيد موسى الصدر حريصاً على لبنان وعلى تنوعه الثقافي والديني، ويرى في هذا التنوع غنىً وثروةً لا يجوز التخلي عنها، ولذلك تبنى قضايا المحرومين وأطلق في بعلبك القسم بأن لا يهدأ طالما في لبنان محروم واحد.
ودعا إلى اصلاح النظام العاجز عن بناء دولة حقيقية تقوم بواجبها في تحقيق العدالة الاجتماعية وتنمية المناطق المحرومة في كل ارجاء الوطن، لأن التمايز في الاهتمام بين المناطق يضعف المناعة الوطنية ويضعف الاقتصاد الوطني، ولكن ضيق الفهم والانانية وقفت أمام هذه المطالب وأضعفت لبنان أمام التحديات الداخلية من تلبية متطلبات التنمية والتطوير والاستفادة من الطاقات الشابة والمتعلمة وتلبية طموحاتها، وبدلاً من الاستجابة لنداءات الامام وتحذيراته من خطورة الاستمرار بهذه السياسة وما تؤدي اليه من انفجار داخلي الذي لن يستطيع لبنان أن يسيطر عليه لوجود مصالح خارجية ستنفخ في نار الفتنة الداخلية لتُسعّرها وتزيدها اشتعالاً وعلى رأسها العدو الصهيوني، ولكن ذهبت كل هذه التحذيرات أدراج الرياح حتى وقعت الواقعة التي كانت مصالح الطبقة الحاكمة والمستفيدة من هذا النظام التحاصصي وراء التعجيل بالحرب التي أسموها أهلية وطائفية ومسيحية واسلامية زوراً، وإنما كانت حروب هذه الطبقة الفاسدة في وجه الاصلاح الذي سعى الإمام إليه لتعطيله وإفشاله وما زالت عمليات التعطيل قائمة والإصرار على إبقاء نظام الامتيازات والمحاصصة بتعطيل تطبيق اتفاق الطائف منذ الدعوة إلى تشكيل اللجنة الوطنية البرلمانية تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية والتي رفع في وجهها آنذاك شعار إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص كإعلانٍ عن رفض العمل باتفاق الطائف والعودة إلى الوضع ما قبله، الأمر الذي كان واضحاً أن المطلوب من اتفاق الطائف فقط هدنة موقتة والابقاء على الازمة السياسية إنتظاراً للظرف المناسب”.
واردف الشيخ الخطيب :”لذلك فإن الادّعاء بأن المقاومة هي سبب الازمة ادّعاءٌ باطل واختباءٌ بظل الإصبع وتضليل للرأي العام من قبل قوى سياسية تفصح عن نفسها بطروحات عنصرية تقسيمية تتماهى مع المشروع الصهيوني والغربي في تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية ترى في وجود المقاومة عاملاً أساسياً في الحؤول دون تحقق مشروعها، ولذلك تُمعِن في معاداة المقاومة واتهامها بشتى الاتهامات وتُعلن عليها حرباً اعلاميةً شعواء وكاذبة لإظهار العداء الطائفي والمذهبي، ولم يكن تأييدها للمنظمات الارهابية مثل تنظيم داعش رغم بطشه بالمسيحيين في العراق وسوريا وذلك لأنها كانت ترى في ذلك تبريراً لتحقيق مشروعها الطائفي، وهو يذكّرنا بما تعرض له اليهود في أوروبا من عمليات قتل في المحارق الاوروبية لإجبارهم على الهجرة الى فلسطين لبناء دولة باسم اليهود لتكون قاعدة متقدمة للغرب للحفاظ على مصالحه ومنع شعوب المنطقة من النهوض والوحدة وبناء الدولة القوية التي تؤمّن مصالح شعوبها وتحفظ كرامتهم وتستغل ثرواتها لبناء مستقبل أبنائها وتقف في وجه القوى الغربية الغاشمة الطامعة فيها.
إنّ طموحات هذه القوى العنصرية واعتبارها الكيان العنصري نموذجاً لها هو السر الذي يكمن وراء الدجل والخداع الذي تمارسه والاتهامات الباطلة للمقاومة والتخويف لفئة معينة من اللبنانيين وهي من المواطنين المسيحيين الاعزّاء من انتصارها لتحقيق أحلامهم على حساب مستقبل المسيحيين بسلخهم عن محيطهم العربي والإسلامي الذي يحمل همّهم كمواطنين طبيعيين في هذه البيئة وكجزءٍ لا يتجزأ من شعوب هذه المنطقة وكمواطنين أعزّاء في بلادهم التي يعيشون فيها ومنها بلدنا العزيز لبنان”.
وقال :”لقد افتعل هؤلاء الازمة والحرب الداخلية قبل وجود المقاومة، والمقاومة جاءت كردّ فعل على الاحتلال الذي كان بتواطئ من هذه الفئة، ولأنّ المقاومة أفشلت مشروعهم بطرد العدو الصهيوني وتحرير الجزء الأكبر من لبنان وتصدّت للتكفيريين منعاً من دخوله، كان عداؤهم لها ثم انتظروا العدوان الصهيوني على لبنان وهم يفركون بأيديهم أملاً بهزيمة المقاومة، فباؤوا بفشل الأمل ثم هاهم يخوضون حرب إسرائيل الاعلامية والاثارات المذهبية أملاً بالقضاء على المقاومة في غزة والضفة والجنوب، ولكن ستكون خيبتهم أكبر ونحن نريدهم أن يحتفلوا بالنصر إلى جانب شعوب المنطقة والى جانب الاكثرية من الشعب اللبناني الذي يُعبّر عن وقوفه إلى جانب المقاومة معتقداً بأحقّية قضيتها وسلامة موقفها ولابدّية انتصارها.
وأقول للنافخين في نار الفتنة وتحميل المقاومة وأهلها وهم أكثرية الشعب اللبناني: كفى تزويراً للحقائق وتحميل المقاومة وهذا الشعب أسباب الانهيار المالي والاقتصادي والفساد الإداري والتمنع عن دفع الضرائب والتهرب الجمركي وفواتير الكهرباء، فسوف يظهر الكاذب ويبين عما قريب بإذن الله، ويكفي أيضاً تخريباً لمؤسسات الدولة وإفراغها من العاملين في الوظائف دون الوظائف الاولى كما نصَّ عليه اتفاق الطائف”.
أضاف الخطيب :” وأخيراً وليس آخراً، كفى تحجّجاً وتهرُّباً من طاولة الحوار للخروج من الازمة الحالية المستعصية لانتخاب رئيس للجمهورية بفعل عناد المتهربين من الجلوس إلى طاولة الحوار الذي يؤكد المؤكد وهو انتظار النتائج التي ستسفر عن المعركة الجارية بين القوى المقاومة التي تُمثل الامة وبين العدو الصهيوني، فهؤلاء ينتظرون ولكنهم لا ينتظرون بصمت حتى بل لا يكتفون بمشاركة العدو بالتثبيط والتهويل وإنما الأخطر هو العودة الى ما قبل بوسطة عين الرمانة ورفع نفس الشعارات والمشاريع والعناوين أضافوا إليها إختراع كذبة جديدة وهو الاحتلال الإيراني لتبرير مشروعهم (الصهيوني اللبناني)، واتهام القوى المسيحية الوطنية وكل ما يخالفهم الرأي بأقذع الاتهامات، وهو ما يتطلب من كل القوى الوطنية والمرجعيات الدينية خصوصاً موقفاً حازماً وواضحاً من هذه الدعوات. إن هذا الموقف لم يكن موقفا جديدا وإنما مستترا ولكنهم بدأوا بإظهاره شيئا فشيئا ولكنه كان على الدوام خائبا”.
وختم الخطيب :” أيها الامام، أيها السيد، ستبقى الصدر الذي نستند اليه ونغرف من بحر حقيقته الذي لا ينضب، سلامٌ عليك، فأبناؤك ينتظرون الوعد بالغد الآتي بالنصر، فإلى اللقاء لنحتفي بك وأنت تقوده بإذن الله ننصب رايته معك على أشرعة بيت المقدس وبيت لحم خلف حفيد رسول الله المهدي المنتظر والسيد المسيح”.