جريمتا صلاح الدين ترفعان القلق من الوضع في العراق
كشفت الأحداث المتسارعة في محافظة صلاح الدين، شمالي العاصمة العراقية بغداد، عن تراجع ملحوظ في الملف الأمني في العراق أخيراً، بعد أن تم تسجيل جريمتين مروعتين في أسبوع واحد فقط، راح ضحيتهما تسعة أفراد من عائلتين، وسط غموض متعلق بالجهات المنفذة للجريمتين. في المقابل، أكدت الجهات المسؤولة أنه تم ضبط الملف الأمني في المحافظة، محاولة طمأنة الأهالي الذين أبدوا قلقاً من إمكانية تكرار الحوادث التي لم يُكشف منفذوها. وشهدت محافظة صلاح الدين، الأربعاء الماضي، جريمة قتل عائلة مكونة من ثلاثة أشخاص (رجل وزوجته وابنهما) على يد مجهولين اقتحموا منزلهم في الحي العصري ببلدة بيجي، وأضرموا النيران في جثثهم. وجاءت الجريمة بعد أسبوع واحد فقط من مجزرة العباسية بمدينة سامراء، إذ اقتحم مسلحون مجهولون يرتدون زياً عسكرياً، منزلاً وقتلوا عائلة مكونة من ستة أفراد بينهم أطفال. وعلى أثر ذلك شكلت وزارة الداخلية العراقية والحكومة المحلية في محافظة صلاح الدين، لجان تحقيق لمعرفة ملابسات الحادثتين، إلا أنها لم تكشف بعد عن أي تحقيقات أولية عن الجهات المنفذة، الأمر الذي صعّد من القلق لدى الأهالي الذين أبدوا خشيتهم من احتمال عودة نشاط تنظيم داعش في مناطقهم، أو الفصائل المسلحة، مطالبين بكشف نتائج التحقيق ومحاسبة المجرمين قانونياً.
مصادر أمنية: الوضع الأمني لم يعد كما كان قبل الحادثتين
وكان مجلس عشائر سامراء، فضلاً عن شيوخ ووجهاء في المحافظة، عبّروا عن قلقهم من تلك الحوادث، مطالبين رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالكشف عن الجناة وإحالتهم إلى القضاء، ووضع خطط كفيلة بعدم تكرار مثل هذه الحوادث، مشددين على ضرورة الحفاظ على أرواح المواطنين في العراق وعلى السلم الأهلي. ومع التكتم من قبل الجهات الأمنية على سير إجراء التحقيقات، اتخذت القوى الأمنية في محافظة صلاح الدين إجراءات أمنية مشددة في المنطقتين ومناطق أخرى، تحسباً لتنفيذ جرائم أخرى مشابهة، وفقاً لما أكدته مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، مبينة أن "الوضع الأمني لم يعد كما كان قبل الحادثتين، والقوات الأمنية تعمل على تحديث خططها ومنع تسجيل جرائم جديدة".
ومن المقرر عقد اجتماع أمني في المحافظة برئاسة المحافظ بدر الفحل، بصفته رئيس اللجنة الأمنية العليا في المحافظة، لمناقشة التطورات واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم. ووجّه الفحل، الأربعاء الماضي، بتغيير مدير شرطة قضاء بيجي، وبتكليف العميد نصر الله محمد خلف بالمنصب. وعزا المحافظ، في بيان، القرار لـ"غرض تعزيز الأمن والاستقرار في القضاء". وشدد على "أهمية تحسين الأداء الأمني في بيجي، وضمان تنفيذ القانون بشكل صارم لتحقيق الأمن والأمان لجميع المواطنين".
من جهته، قلل رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة صلاح الدين، سعد العبيد العلي، من خطورة الحادثتين على الوضع الأمني في المحافظة، مؤكداً أن "ما حصل في بيجي وقبلها في سامراء هي حوادث جنائية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال ساعات قليلة تم الوصول إلى خيوط تلك الجريمة، والتحقيقات مستمرة، لكن لم يتم الكشف عنها حالياً حتى لا تؤثر على سير التحقيقات". وأوضح العلي أن "التحقيقات في جريمة سامراء وصلت إلى النهاية، وأن هناك معتقلين متورطين بالجريمة، وكذلك جريمة بيجي تم الوصول إلى خيوط مهمة لكن لا نريد الكشف عنها حالياً، لحين القبض على الجناة".
وأكد أن "هناك تطوراً كبيراً في الأداء الأمني والاستخباراتي في متابعة الجريمة وكشف الجناة بشكل سريع، وهذا يساعد على الاستقرار ودعم الأمن". وأضاف العلي أن "ما حصل في صلاح الدين أخيراً لا يؤثر على استقرار الأمن في المحافظة، فالأوضاع مستقرة تماماً، والقوات الأمنية أمسكت زمام الأمور، ولا يوجد أي تراجع أمني أو تراخٍ، وما حصل من جرائم، هي جنائية بحتة، وليس فيها أي رسائل أمنية أو إرهابية".
سعد العبيد العلي: ما حصل في بيجي وقبلها في سامراء هي حوادث جنائية
من جهته، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم عليوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع الأمني في عموم العراق مستقر وهناك سيطرة كاملة للقوات العراقية، ولا يوجد أي تراجع بالملف"، معتبراً أن "حصول بعض الجرائم لا يعني أن الوضع الأمني منفلت كما يريد البعض أن يصور ذلك". وأضاف أن "هكذا جرائم وغيرها تحصل بأغلب دول العالم، خصوصاً أنها ذات طابع جنائي، ودائماً ما يتم الكشف عنها سريعاً، وهذا يعزز الاستقرار الأمني"، مشدداً على أن "هذه الجرائم لا تؤثر على الاستقرار المجتمعي، ونحن نتابع النتائج، وسيتم الكشف عنها أمام الرأي العام، حتى تنكشف أسباب تلك الجرائم ومن يقف خلفها". ولفت إلى أنه "منذ تشكيل حكومة (محمد شياع) السوداني (في أكتوبر/تشرين الأول 2022) الوضع الأمني يشهد استقراراً كاملاً، وهناك دعم سياسي كبير لهذه الحكومة وهذا الاستقرار السياسي والحكومي ساهم بالاستقرار الأمني. ولا توجد أي مخاوف من أي تراجع بالملف الأمني في العراق إطلاقاً، خصوصاً أن السوداني وحكومته لديهم اهتمام كبير جداً في الملف الأمني وتعزيز الأمن والاستقرار، ولهذا نرى تغييرات دورية في المناصب الأمنية والعسكرية وكذلك إعادة تقييم الخطط وحتى القوة الممسكة بالأمن".
إلا أن الخبير في الشأن الأمني أحمد الشريفي، عد الجريمتين "خرقاً أمنياً واضحاً يؤكد وجود تراجع بالملف الأمني"، معتبراً لـ"العربي الجديد" أن "الجريمتين وكذلك عمليات الاغتيال التي حصلت في بغداد وبعض المحافظات ضد محامين ومواطنين، بدوافع مختلفة، تؤشر إلى تراجع بالوضع الأمني". وأوضح أن "سبب هذا التراجع الأمني هو وجود تراخ لدى القوى الأمنية، فالاستقرار النسبي والهدوء ضمن قواطع عملياتها يدفعها إلى التراخي وعدم أخذ الحيطة والحذر، إضافة إلى استمرار وجود السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة، الذي من خلاله تنفذ هكذا جرائم، وهناك إخفاق حكومي واضح بملف السيطرة على هذا السلاح رغم كل الوعود الحكومية". وحذر الشريفي من أن "استمرار عدم السيطرة الحكومية على السلاح المنفلت للجماعات أو الأشخاص وحتى لدى بعض العشائر، يعني استمرار هكذا عمليات اغتيال وقتل، فهذا السلاح يشكل تهديداً للأمن والاستقرار والسلم المجتمعي، لكن هناك ضعفاً في مواجهة هذا السلاح، كما أن هذا السلاح نفسه يهدد كيان الدولة في العراق واستخدم لمرات عدة ضمن أجهزة الدولة نفسها".