الموصل تستعيد ليالي السهر والحفلات بعد 7 سنوات على هزيمة "داعش"
بعد سبع سنوات على إعلان السلطات العراقية هزيمة تنظيم "داعش" الذي سيطر بين 2014 و2017 على أجزاء واسعة من شمال العراق وغربه، تكتظّ ليلاً شوارع الموصل الواقعة على الضفة الشرقية لنهر دجلة والمتنزّهات والمطاعم ومدينة ألعاب بالعائلات التي تتذوق للمرة الأولى منذ سنوات طعم الاستقرار الأمني والحرية.
على أنغام أغان عراقية وعربية في مطعم افتُتح مؤخراً في الموصل، تتناول أميرة طه مع صديقاتها وبناتهنّ العشاء، ويستمتعن بواحدة من السهرات التي باتت تطبع الحياة الليلية في منطقة عانت طويلاً سيطرة التنظيم الإرهابي وتداعياتها.
وتتحدث طه (35 عاماً) لوكالة فرانس برس: "تغيّر كل شيء في الموصل. أصبحت هناك حرية وأمان واستقلالية، وباتت السهرات شائعة". وتشير ربّة المنزل إلى أن "الاستقرار الأمني اليوم هو الذي ساهم في انفتاح الناس وشعورهم بأنهم يريدون العيش في أجواء حلوة".
في العاشر من يونيو/حزيران 2014، سيطر تنظيم "داعش" على الموصل في محافظة نينوى في شمال العراق. وأعلن منها بعد 19 يوماً "الخلافة الإسلامية". وعلى مدى سنوات، بثّ عناصره الرعب في المنطقة وحوّلوا حياة الناس إلى جحيم، فنفّذوا إعدامات بقطع الرأس وفرضوا عقوبات بمنع التدخين وقطعوا أيدي أشخاص اتهموهم بالسرقة ودمّروا كنائس ومساجد ومتاحف وأحرقوا كتباً ومخطوطات وحرّموا الموسيقى.
وبعد معارك عنيفة، استعاد الجيش العراقي، بدعم من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة، الموصل في 2017، وأعلن في نهاية العام نفسه هزيمة التنظيم في العراق. وتؤكّد طه التي تخرج يومياً للسهر، أنها لم تعد "تشعر بالخوف أبداً"، وأن السكان المحليين "أصبحوا الآن ينعمون بحرّية دون قيود"، بينما كانوا خلال سيطرة داعش، يلازمون "منازلهم ويقفلون الأبواب".
واستغرق تعافي المدينة سنوات. فبعدما تحولت أحياء كثيرة إلى أنقاض، تحتَّمت إزالة الألغام قبل إعادة بناء ما دُمّر من منازل وطرق وبنى تحتية لتمهيد الطريق لعودة النازحين الذين فرّوا من المدينة التي يقيم فيها اليوم 1.5 مليون شخص.
وعلى غرار الموصل، تشهد مدن عراقية عدة استقراراً نسبياً بعد عقود من الحروب والصراعات السياسية والعنف وعمليات الخطف والهجمات الإرهابية التي أثقلت كاهل العراقيين في حياتهم اليومية.
قبالة قصر قره سراي التاريخي وقلعة باشطابيا، يعجّ مطعم "الشيف أحمد السويدي" الذي افتُتح في يونيو/ حزيران، بما يتراوح بين 300 و400 شخص يومياً، وفق مؤسسه.
خلال سهرة في الهواء الطلق يحييها مطربون محليون مع فرقة موسيقية، يصفّق أطفال ويرقصون، فيما يدخّن بعض البالغين النرجيلة ويتناول آخرون مأكولات غربية بعضها اسكندنافية وأوروبية طعّمها الطاهي بنكهات عراقية موصلية.
ويقول صاحب المطعم البالغ 40 عاماً والذي ارتدى بزة الطاهي البيضاء: "قبل الأحداث، غادرتُ المدينة وعشت أكثر من نصف عمري في السويد، لكنني كنت دائماً أحلم بالعودة لأفتتح مشروعي الخاص في العراق". ويضيف الطاهي الذي أطلق على نفسه لقب "السويدي" نسبة لإقامته سابقاً في استوكهولم: "أردتُ جلب فكرة جديدة إلى محافظة نينوى، لذلك عدت". ويتابع: "يستحيل أن أعود إلى الغربة (...) بعدما عدت مع ابنتَيّ وزوجتي لنكمل حياتنا هنا". ويعبّر عن ارتياحه لأن "الناس بدؤوا يرغبون في الخروج لرؤية أشياء جديدة ومختلفة".
على بعد بضعة أمتار في منطقة الغابات التي لطالما شكّلت متنفساً يقصده عراقيون من محافظة نينوى ومحافظات أخرى قبل النزاع، ترتاد عائلات مجمعاً سياحياً يضم مدينة ألعاب ومطاعم وأكشاكاً وحدائق.
ويشير مدير إدارة مدينة الألعاب ومسؤول الأمن في مجمع السدير السياحي خليل ابراهيم (50 عاماً) إلى أن المدينة "تغيّرت في السنوات الماضية من دمار إلى إعمار". فمدينة الألعاب التي تأسست في العام 2011، قد دُمّرت بالكامل بعدما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل. ويوضح بينما يركض أطفال خلفه حاملين بالونات ملوّنة: "تعرّض هذا المكان للحرق بالكامل وكانت لدينا مجموعة من الحيوانات قُتل قسم منها. حين عدنا إلى الموقع، كنّا تحت الصفر (...) لكننا أعدنا بناءه بإمكاناتنا الخاصة".
بعد استعادة القوات العراقية السيطرة على ثاني أكبر مدن العراق، عاد المتعهدون والمستثمرون إلى الشطر الشرقي أولاً من المنطقة التي كانت يوماً مركزاً تجارياً إقليمياً. أمّا الشطر الغربي، فأطلق فيه محافظ نينوى عبد القادر الدخيل مطلع العام الجاري مشروع "الواجهة النهرية" لإعادة إعمار المدينة القديمة بمنازلها ومتاجرها.
وافتُتحت في هذه الضفة متنزّهات وحدائق جديدة فيما أُعيد إعمار حدائق مهملة أو متضررة. وتشهد الموصل كذلك نشاطاً سياحياً ليلياً بعد سنوات صدمة عاشها السكان حين قضى في مارس/آذار 2019 مائة شخص غالبيتهم نساء وأطفال في غرق عبّارة سياحية كانت تقلّهم إلى منطقة الغابات.
وتنساب القوارب السياحية على المسطّح المائي وعلى متنها نحو 30 متفرجاً وتنعكس أضواؤها الحمراء والخضراء والزرقاء على صفحة النهر. واشتهرت الموصل بلقب "أمّ الربيعين" لاعتدال مناخها في فصلَي الربيع والخريف.
ويقول الكاسب جمال خالد عبد الستار (32 عاماً) لفرانس برس في مقهى يتناول فيه مع عدد من الشبان الطعام ويلعبون الورق والدومينو: "الجلسة لطيفة في هذا المتنفس الطبيعي والأكسجين الطبيعي، ونهر دجلة يكفي". ويضيف: "حين ذاق الناس طعم الأمان، بدؤوا يخرجون (...) ويعودون إلى منازلهم في الوقت الذي يريدونه، وأصبحت هناك متاجر تفتح حتى الثالثة فجراً أو حتى 24 ساعة".
(فرانس برس)