كلية الفنون الجميلة: من هنا مرّ نجوم العراق
في منطقة الوزيرية، وسط العاصمة العراقية بغداد، يقع مبنى كلية الفنون الجميلة المنطلق الأول لمئات الفنانين العراقيين والعرب، مخرجين وممثلين وتشكيليين ومسرحيين، الذين تحولوا بعد ذلك إلى نجوم لامعة في عالم الفنون في العراق.
قبل أشهر، افتتحت الحكومة الحالية التي يترأسها محمد شياع السوداني، جسراً لتخفيف زحام السيارات عند تقاطع كلية الفنون الجميلة، حمل اسم فائق حسن. وهو واحد من أهم أساتذة الكلية، وروّاد المدرسة التشكيلية في العراق، وأهم الفنانين التشكيليين عالمياً.
في بداية الجسر، وضع نصب بغداد الحضارة والسلام، الذي يرمز "لامرأة سومرية شامخة، تفتح ذراعيها للعابرين على الجسر، للسلام والمحبة"، كما يشرح الأستاذ في كلية الفنون الجميلة، إيهاب أحمد، لـ"العربي الجديد". ويقول أحمد: "كان هذا آخر أعمالي. أنجزته بمدة قياسية، إذ اكتمل العمل الفني خلال 20 يوماً، وبارتفاع خمسة أمتار، جسّدت على جانبه الآخر قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي التي تغنى فيها ببغداد".
عام 1936، تأسست النواة الأولى لكلية الفنون الجميلة وانطلق وقتها المعهد الموسيقي، وتغيّر بعدها إلى معهد الفنون الجميلة عام 1940، لتضاف اختصاصات أخرى إلى جانب الموسيقى، مثل التمثيل والإخراج والرسم والنحت. وعام 1958، تأسست أكاديمية الفنون الجميلة العليا، ثم عام 1968 أعلن رسمياً عن تأسيس كلية الفنون الجميلة.
تضم الكلية، وهي عبارة عن ثلاثة مبانٍ، موزعة في منطقتي الوزيرية والكسرة، سبعة أقسام: السينما والتصميم والتشكيل والمسرح والتربية الفنية والخط والزخرفة والموسيقى، وكل قسم منها يحمل تفرعات مختلفة، تناسب مواهب الطلبة واختياراتهم.
في قسم المسرح، تبرز قاعة كبرى، تقام عليها مهرجانات مسرحية سنوية بمشاركات دولية ومحلية. عادة ما يخرج من الستارة نجوم صاعدون من الشباب، فلمسرح كلية الفنون الجميلة تاريخ طويل في تصدير أهم وأشهر الفنانين العراقيين منذ لحظة تأسيسها. وفي مساحات أخرى من قسم المسرح، تتوزع القاعات للمراحل الدراسية كافة، مسك جدرانها أهم أساتذة المسرح والخطابة والدراما، وعلى مقاعدها بان ألمع نجوم فن التمثيل، وبرزوا أجيالاً متعددة.
يتحدث الدكتور النحات إيهاب أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن "الفنان الراحل حافظ الدروبي كان أول عميد لكلية الفنون الجميلة. كما ضمت خيرة أساتذة الفن التشكيلي في العراق والعالم العربي، وأبرزهم الفنانون فائق حسن ومحمد غني حكمت وإسماعيل فتاح الترك وسعد شاكر".
في باحات مبنى الكلية وحدائقها، تتوزع أعمال تشكيلية وتماثيل لفنانين وطلبة، خصوصاً المتخرجين حديثاً، الذين يؤسسون لمشوارهم من خلال أعمالهم الأولية التي يشرف عليها أساتذة الكلية من مختلف الفروع الفنية.
يقول أحمد: "نحن حريصون على إدامة الفن العراقي، والحفاظ على إرثه حتى من خلال أعمال وصيانة من دون مقابل، فمثلاً تكفّلت شخصياً بصيانة نصب الأم في حديقة الأمة، بمنطقة الباب الشرقي خلف بغداد، خلال الحكومة السابقة، وهذا ما يفعله طلاب وفنانون كثر، غايتهم الحفاظ على إرث العراق الفني والحضاري". ويضيف: "أنجزت في عام 2012 متحف الشهداء في مبنى نصب الشهيد، ونصب الرئيس الأسبق عبد الكريم قاسم، في حدائق شبكة الإعلام العراقي، وتمثالاً نصفياً للعالم العراقي عبد الجبار عبد الله، في جامعة بغداد، عام 2020".
تنظم الكلية كل عام مهرجانات خاصة بالأفلام السينمائية والمعارض التشكيلة ومختلف الفنون الأخرى للطلبة والأساتذة، عادة ما تشهد ولادة نجم جديد من الشباب، يشق طريقه نحو الإبداع، كما أن للمهرجانات المسرحية في الكلية مكانة مرموقة بين الأوساط الفنية، فهي مدرسة خرّجت أجيالاً من كبار الممثلين العراقيين، كانوا طلبة في الكلية ثم تحولوا إلى أساتذة فيها، ليكونوا قدوة لمن لحقهم من الأجيال الجديدة.
ويرى طلبة كثيرون أن "الوصول إلى كلية الفنون الجميلة والتسجيل في أحد أقسامها يمثل أمنية لعديدين، فمجرد أن تدخل المبنى بصفتك طالباً فيها، فهذا بحد ذاته حلم قد تحقق، أما الدراسة والإبداع والتعرف إلى مختلف الفنانين، والاستمرار بصقل المواهب والتجارب، فهو غاية الطامحين إلى أن يكونوا ضمن الصف الأول في الفن العراقي".