النائبة نور نافع: تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يظلم النساء

العربي الجديد

النائبة نور نافع: تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يظلم النساء

  • منذ 1 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:

لم تتراجع حملات الرفض لمشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق المعمول به منذ عام 1959، لناحية الوقفات الاحتجاجية والبيانات والاجتماعات والنقاشات، ناهيك بالمعارضة البرلمانية التي تقودها عضوات في مجلس النواب. لكن أحزاباً دينية تدعم إجراء التعديلات على المشروع، وتقود حملة إعلامية كبيرة في هذا الاتجاه، على الرغم من كونه يضم فقرات اعتبرت أنها حد أو حرمان لحقوق الأم والزوجة، وتحيز للرجل.

وخلال الأسابيع الماضية، أكمل مجلس النواب العراقي القراءة الثانية لمادتين من مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية، بحضور 167 نائباً، بعدما قاطع قرابة 70 نائباً ونائبة الجلسة، لاعتراضهم على قراءة المادتين الثانية والعاشرة من القانون، وهو ما دفع الناشطين والحقوقيين إلى رفع أصواتهم محذرين من أن القانون يمثل وجهاً آخر للدولة الدينية التي تسعى إليها الأحزاب والكتل السياسية التقليدية في البلاد.

وينص قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً في العراق على أن للأم الحق بحضانة الولد وتربيته حال الزواج وبعد الفرقة، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها. غير أن التعديل الجديد المقرر التصويت عليه في جلسات مجلس النواب المقبلة يسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.

كما ينص القانون المعمول به حالياً على أن يكون التفريق وفقاً للقانون المدني، لكن التعديل المقترح أن يكون وفقاً للفقه السني أو الشيعي حسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما بما يتعلق بالحقوق.

ويتضمن التعديل الجديد للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما اعتبره الرافضون القانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وأيضا ابتعاداً عن الدستور الذي نص على مدنية الدولة العراقية. ويتجاهل التعديل الجديد في القانون حالات رفض الزوجين عقد الزواج وفقاً للمدارس الفقهية السنية أو الشيعية، وهي ظاهرة متزايدة في المجتمع العراقي الذي يشهد زيجات مختلطة من ديانات أو مذاهب متعددة، بينما القانون المعمول به حالياً في العراق يمنح الدولة العراقية منذ عام 1959 ممثلة في القضاء المدني عقد القران والتفريق وفقاً للقانون لا بحسب الطوائف أو الأديان.

وفي البرلمان، تبرز النائبة المستقلة نور نافع باعتبارها إحدى أبرز العضوات في مجلس النواب، والتي ترفض إجراء التعديلات على قانون الأحوال الشخصية. وأعربت عن موقفها من خلال مؤتمرات داخل البرلمان العراقي، عدا المساهمة في الفعاليات الاجتماعية والإعلامية. في هذا الإطار، أجرى "العربي الجديد" مقابلة مع نافع للاطلاع على ماهية القانون، وأسباب رفضه، والتحديات التي تواجهها، وصولاً إلى ما ينتظر البلاد. 

- ما هي أبرز المشاكل والمعضلات التي تندرج في قانون الأحوال الشخصية المطروح في البرلمان؟

ـ في الحقيقة، نحن بصفتنا أعضاء مجلس النواب نسعى أيضاً إلى فهم التعديل المطروح، وقد يبدو الأمر غريباً، لكن التعديل المطروح غير معلوم المضمون والمواد، وهو غامض يشير إلى مادتين في القانون النافذ، وقد حذفت ووضعت مكانها مواد جديدة فارغة المحتوى تشير إلى وجود ملاحق بهذا القانون، ما يعرف بالمدونات الشرعية التي ستعد من ديواني الوقف الشيعي والسني. وهذه المدونات يُقال إنها ستُرسل إلى مجلس النواب بعد ستة أشهر من إقرار القانون. مع ذلك، فإن أعضاء مجلس النواب لم يطلعوا على أي شيء من هذه المدونات. ولا نعرف في أي برلمان في العالم يحصل مثل ما يحصل معنا، أي أن يناقش ويصوت مجلس النواب على قانون غير معروف ومدونات غير معروفة".

- لماذا برأيكِ يعاد طرح إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية الحالي مجدداً، علماً أنها ليست المرأة الأولى؟ (المرة الأولى عام 2014 والثانية عام 2021 من دون إقرارهما)، وهل ترين أن هناك فرصة أكبر لإقرارها في الوقت الحالي؟ لماذا؟

يعود عرض تعديل قانون الأحوال الشخصية لفترة مجلس الحكم 2004 ـ 2005، حين تبنّى رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم قراراً بإلغاء قانون الأحوال الشخصية وتبني القانون الجعفري، ولكن جرى التراجع عن هذا القرار بعد موجة غضب مدني، ثم أعيد طرح تشريع قانون الأحوال الجعفري في سنوات 2006 و2007 و2012، وقُدم من قبل أحد الأحزاب الإسلامية، وتعرض للرفض أيضاً.

نعتقد أن طرح المشروع يتناسب مع من يؤمن بالتشريعات الطائفية، وكسب الجمهور والتغني بإنجاز وسط الفشل الكبير في البلاد، وهناك إصرار واضح من قبل قوى تحالف الإطار التنسيقي على تعديل القانون. 

- كنت قد طالبتِ مجلس النواب بتبني تشريع قوانين مهمة والابتعاد عن القوانين التي تفكك الأسر والمجتمع. لماذا تساهم التعديلات المطروحة برأيك في تفكيك العائلات والمجتمع؟

المدونات الشرعية، وخصوصاً الشيعية، ستكون الحاكمة، وهي ليست بعيدة عن المدونة التي قُدمت قبل سنوات بخصوص القانون الجعفري. في الحقيقة، تحتوي هذه المدونة على غرائب وعجائب، مثل اعتبار زواج القاصرات قانونياً وغير مجرّم، أي أنه يجيز زواج الطفلة بعمر تسع سنوات، بالإضافة إلى حرمان الزوجة من الميراث، وسلب الأم حق حضانة الطفل بعد تجاوزه عامين من العمر فقط. كما يشمل القانون منع النفقة للمرأة أثناء الزواج وبعد الطلاق. بالتالي، فإن الطفل بعد الطلاق سيكون في بيئة مفككة غير آمنة مسلوب الحياة المستقرة، والزوجة بعد وفاة الزوج ليس لها ميراث وقد ترمى في الشارع.

- لماذا تؤيد القوى الشيعية هذا القانون وتعارضه القوى المدنية والكرد والسنة والأقليات؟ هل هذا عائد إلى بنود القانون ذاته؟

القوى الشيعية تريد أن تحقق هدفاً طائفياً وانتخابياً. لكن الغريب هو انصياع وخضوع القوى السياسية الأخرى، وأقصد هنا الكرد والسنة، خصوصاً أن رفضهم الحالي لا يعدو كونه شكلياً. أكثر ما يثار في موضوع التعديلات هو تزويج القاصرات.

- لماذا هذه الخشية؟ هل تتوقعين زيادة في نسبة زواج القاصرات علماً أن النسبة الحالية ليست ضئيلة بحسب الأمم المتحدة؟

نشعر بمخاوف من انتهاك الطفولة. كيف يمكن أن تعي طفلة بعمر تسع سنوات حتى تُزوَّج؟ هل تفهم حقوقها والواجبات المترتبة عليها؟ ثم أي أسرة هذه التي سيكون طرفاها طفلين لم تكسبهما الحياة الخبرة والقوة الكافية لإدارة مؤسسة الزواج؟ تعديل القانون سيزيد من زواج القاصرات لأن البعض كان يتردد في تزويج ابنته خارج المحكمة لضمان حقوقها وأطفالها. أما لو مضى تعديل القانون، فإن هؤلاء سيجدون مبرراً لهم للتزويج. كنا وما زلنا نخشى موضوع الزواج خارج المحكمة حتى لمن هو في السن القانونية، لأن الزواج خارج المحكمة هو ضياع للحقوق.

- ماذا عن خسارة الأم حضانة أطفالها؟ هل ترين أن إقرار التعديلات سيكرس الأمر خصوصاً لدى الطائفة الشيعية؟

نعم، وبشكل واضح، رغم أن بعض المتبنين للتعديل يقولون إن الموضوع لا يسري على الحضانة، لكن الحقيقة أن الحضانة ستكون من حق الأم حتى عمر عامين، بعدها تكون الحضانة من حق الأب. لا نمارس تنكيلاً بالرجل، لكن مهمة الحضانة بشكلٍ طبيعي تعود للأم، لأنها أكثر قدرة على تربية ورعاية الأطفال، ثم إننا نتبنى رأياً قانونياً واجتماعياً ودينيا ينص على أن أصل الحضانة هي من مصلحة الطفل المحضون، وليست جميع النساء قادرات ولا كل الرجال قادرين. علينا أن نحدد الأكثر قدرة وتأهيلاً.

- ماذا عن موضوع الإرث لدى المرأة؟ هل تساهم التعديلات الجديدة في خسارتها بعضاً من حقوقها في الإرث؟ كيف؟

يقول الداعمون لتعديل القانون إن الآراء الفقهية الشيعية تمنع الزوجة من الميراث من زوجها المتوفى.

- أُثير كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي موضوع "مفاخذة الرضيعة" مؤخراً، في إطار الحديث عن التعديلات. ما هو تفسير هذا الأمر؟ وهل هناك من خوف في هذا الإطار؟

ـ الحديث في هذا الشأن يتعلق بآراء دينية وفقهية قد لا نكون متخصصين فيها. لكن بعدما طُرحت، بحثنا عنها وتبيّن أن هناك من يؤيد الزواج من طفلة بعمر تسع سنوات أو أقل، من دون إدخال (عملية جنسية كاملة). بصراحة، فإن الحديث عن هذا الأمر مقزز، ولا أعتقد أن الدين الإسلامي المبني على الخلق الرفيع ونبي الرحمة قد جاء به، وربما هناك من يريد أن يحوّل البيدوفيليا إلى ممارسات بغطاء ديني وقانوني.

- كيف تعملين مع النواب الذين يتبنون مواقف رافضة للتعديلات سواء داخل مجلس النواب أو خارجه؟ وهل يمكن لكم التأثير سواء في مجلس النواب أو على الرأي العام؟ وكيف تقيمين دور النساء داخل البرلمان؟ هل لدى عضوات مجلس النواب القدرة على الحشد باتجاه معين؟

تم تشكيل كتلة نسوية تضم عدداً من النائبات لرفض التعديل المطروح، وقد عملنا على لقاءات مع قادة الكتل السياسية من مختلف المكونات، وأطلعناهم على موقفنا الرافض مع الأسباب. داخل مجلس النواب، ولأكثر من مرة، استطعنا عرقلة القراءة، لكنهم نجحوا في مرات أخرى، ونعمل على خلق تأثير داخل مجلس النواب وإحاطة الرأي العام بالحقائق وبيان التضليل. وبشكل صريح، فإن دور النساء داخل البرلمان لا يلبي الطموح وليس بمستوى التحدي، بسبب انصياع بعضهم إلى كتلهم السياسية.

- هل ترين أن هناك رغبة سياسية في تعزيز دور رجال الدين الشيعة والسنّة في المجتمع؟ ولماذا؟

هذا التعديل المطروح سيمنح رجل الدين سلطة قد تفوق سلطة القضاء، والرأي والحكم سيكونان من حصة رجال الدين.

- هل يمكن أن يكون للمجتمع المدني والجمعيات النسائية دور فاعل في هذا الإطار، لا سيما أننا نشهد العديد من التحركات في مختلف المحافظات؟

دور المجتمع المدني واضح ومتميز، وقد أعلن عن مواقفه بكل وضوح. لكن نحتاج إلى توحيد الجهود وتغليب المصلحة العامة والعمل بمنهجية أكبر. المراقبون يعرفون مقدار الضغط على الحراك المدني وحملات التشويه والتشويش والطعن بالشرف، بل لم تنته بتكفيرنا عبر شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي واتهامات لا تعد ولا تحصى، لكننا نؤمن بأهدافنا التي تخدم مصلحة المجتمع، وسنبقى نعارض مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، مهما كلفتنا هذه المعارضة.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>