تساؤلات منطقية حول عملية البترون الأمنية.. أي لبنان يريدون؟
ليست بالأمر العابر على بلد ذي سيادة منذ عام (1943) وعضو مؤسس في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، أن تقوم قوة كومندوس اسرائيلية، باختطاف مواطن لبناني من شواطئ منطقة البترون، البعيدة عن مدينة جبيل نحو (15) كلم فقط.
وما يثير الاستغراب، تعاطي السلطات المعنية بهذه القضية بشيئ من عدم الوضوح، فلا تفسيرات للرأي العام حول حقيقة ما جرى، وكل ما يصدر هو عن مسؤولين سياسيين على صلة بالموضوع.. غير أن الواضح للعيان، أن هناك انتهاك كبير من دولة عدوة تقوم بحرب معلنة على البلاد، وتسعى إلى فرض شروطها عليه، إن كان عبر املاءات المندوب الأمريكي عاموس هوكشتاين، أو عبر حرب عدوانية راح ضحيتها نحو (3 آلاف شهيد)، و(13 ألف جريح).
لعل أولى الأسئلة التي تتبادر إلى الأذهان، أي قرار دولي يحمي لبنان من الاستباحة الإسرائيلية للسيادة الوطنية، وهل حمى القرار (1701) البلاد؟ وما هو دور الأمم المتحدة التي ترابط سفتها قبالة السواحل اللبنانية بموجب قرارات دولية؟ فإذا هي غير قادرة على تطبيق قرارها، فمن يستطيع؟
وفي خضم المداولات التي تجري على خط واشنطن – تل أبيب، فإن الولايات المتحدة تريد فرض على لبنان حرية حركة العدو في أراضي البلاد، فهل هذه هي الحرية؟
ولان الشيء بالشيء يذكر، فعملية البترون الاجرامية، هي نموذج مصغر لما تسعى إليه واشنطن، بحرية الحركة لجيش الاحتلال برا وبحرا وجوا داخل لبنان، والذي حمله هوكشتاين كمسعى لوقف النار، وهو يعني مسحاً للسيادة وسلطة الدولة على أراضيها، وبالتالي فهي تتعارض مع أبسط القوانين الدولية، التي تحكم هذه العلاقة.
وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حمية، أضاف تساؤلاً في مقابلة مع المنار، بأن هل المطلوب هو تطبيق القرار (1701) فقط من جانب لبنان، مشدداً على أن هذا أمر لا يمكن حدوثه.
وفي تفاصيل العملية التي تناقلتها وسائل الإعلام نقلاً عن مسؤولين معنيين، بأن قوة كوماندوس إسرائيلية، أقدمت فجر الجمعة، على اختطاف المواطن “عماد أمهز”، بعد تنفيذها عملية “ابرار بحري” على ساحل منطقة البترون في الشمال. وتضم هذه القوة التي ارتدى عناصرها زي جهاز أمني لبناني، نحو (20) شخصاً يرافقها مدنيون، لم يُعرف ما إذا كانوا من عداد القوة أم عملاء.
وأمام وضوح الاعتداء على حرمة الوطن، التزم “سياديو” لبنان الصمت، بانتظار جلاء التحقيقات، رغم توضيح جهات وزارية بأن المخطوف كان يخضع لدورة في معهد مدني يدرّب على قيادة السفن التجارية واليخوت، وكان يرغب بالتقدم للعمل مع القوة البحرية في الجيش اللبناني، وليس له علاقة بأي جهة أمنية أو حزبية وسياسية.
كان من الممكن أن اجراءً احترازياً عادياً في ظل ما يتعرض له لبنان من عدوان، أن يؤدي إلى افشال العملية الاسرائيلية، وهنا يطرح تساؤل كبير، ما هو دور البحرية الألمانية التي تتولى الإشراف على القوة البحرية الدولية، التي تراقب الساحل اللبناني. فهل المراقبة تشمل فقط السواحل الجنوبية لمنع تسلل المقاومين إلى الأراضي المحتلة؟
وبموازة التحرك الرسمي الذي يقوده وزير الخارجية عبدالله بوحبيب المتمثل بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن، نفت اليونيفل أي علاقة لها بما جرى، في محاولة منها للتعمية على القضية. فالتساؤلات هنا لا علاقة لها بدور أممي بما حدث، بل بالدور الأممي الواجب القيام به لمنع وقوع هكذا حوادث؟
وهل تكفي الشكوى الى مجلس الامن لمنع تكرار الاعتداءات على السيادة، وماذا غيرت الشكاوى السابق من واقع أن كيان العدو يحمل مشروعاً احلالياً للبنان، وهو لا يرى بالمنطقة الممتدة من رأس الناقورة جنوباً إلى مجرى نهر العريض في الشمال سوى أراضٍ يسعى إلى السيطرة عليها وتوسيع رقعة كيانه الجغرافية.
وبالإضافة إلى الاعتداء المباشر بدخول قوة معادية إلى أراضي لبنان، فقد قامت قوات الإحتلال بحسب ما توفر من معلومات، بحذف “داتا” كاميرات مراقبة عن بعد في مكان اختطاف أمهز، ما يدلل على الخرق السيبراني الذي يقوم به الاحتلال، وما اذا كان قد قام بخروقات مشابهة في محطات أخرى.
كما أن معلومات الإعلام الاسرائيلي الذي تحدث عن مشاركة عناصر من جهاز (504) الناشط في لبنان، يعكس حجم الاختراق الأمني للساحة، ما يتطلب تشدداً لمواجهة وملاحقة هذا النوع من العمليات.
وبحسب ما رجحت المعلومات، أن عملية الاختطاف نفذتها مجموعة من وحدتي “ماتكال” أو “شايطيت 13″، البحريتين الإسرائيليتين، فإن هذا يعيد الاذهان كمين انصارية عام (1997)، حيث أنزلت المقاومة الإسلامية حينها هزيمة نكراء بقوة كومندوس بحرية اسرائيلية، حاولت التسلل إلى منطقة انصارية جنوبي صيدا، وقتلت من هذه القوة (12) جندياً وضابطاً، على رأسهم المقدم يوسي كوركين.
إذا، نحن امام لبنانين:
لبنان المقاومة، الذي عجزت (5) فرق عسكرية اسرائيلية عن السيطرة على قرية حدودية جنوبية فيه، بعد شهر من عدوان بري، وأكثر من (12) شهراً من القصف والتدمير، يعاونها أساطيل بحرية غربية وأقمار صناعية وتكنولوجيا متقدمة.
ولبنان يريدون حمايته بقرارات دولية من أمم متحدة، لم تستطع حماية ميثاقها المكتوب، الذي مزقه المندوب الاسرائيلي “جلعاد أردان” أمام اجتماع للجمعية العامة ضم ممثلي الأمم الـ (193 دولة).. مؤسسة دولية لم تتخذ اجراءً بحق مندوب مزق موادها القانونية على مرأى العالم، كيف تحمي بلداً أمام آلة عسكرية ومشاريع استعمارية؟؟
وبين لبنان القوي بمقاومته، ولبنان القوي في ضعفه، (المقصود هنا بحسب مؤيدي هذه النظرية أن قوة لبنان تتمثل بالشرعية التي يحصل عليها على المستوى الأممي والدولي والمعزول عن محيطه العربي والإسلامي)، يقف اللبنانيون يتساءلون، أي وطن نريد.. وطن يتكئ على ما يسمى “الشرعية الدولية” لحمايته، أو على سواعد أبنائه الغيارى؟