أزمات رياضية على الأراضي العراقية
في الثامن من يونيو/حزيران لعام 1986م، انتفضت الشوارع العراقية بالهتاف والتحية، مع رؤية إلى أمل غائب بعد أن أحرز أحمد راضي لاعب المنتخب العراقي هدف منتخبه الأول في بطولة كأس العالم، في ثاني مبارياته أمام بلجيكا، في الدقيقة 59، بعدما كان الفريق منهزما بهدفين مقابل لا شيء.
انتهت المباراة، وجاءت بعدها مباراة العراق أمام المكسيك وقد انتهت بفوز الأخير بهدف إلى لا شيء، ليودع بعدها المنتخب العراقي لكرة القدم بطولة كأس العالم في ظهوره الأول والأخير، وينتهي الحلم، الحلم بأن يفعل اللاعبون أي شيء يرفع اسم بلدهم وسط منتخبات العالم.
تاريخ كرة القدم العراقية
تضم الرياضة في العراق العديد من الألعاب والرياضات، ضمن اتحاداتها الدولية والمحلية بالتأكيد، مثل كرة السلة، اليد، السباحة، والعديد من الرياضات الفردية، مثل الجودو، التايكوندو، الملاكمة، التنس، وتنس الطاولة، ولكن تظل كرة القدم هي الرياضة الشعبية، والأكثر جماهيرية ضمن مختلف الألعاب.
تأسس المنتخب الوطني العراقي، والدوري العراقي الممتاز عام 1948م، ليتم إلحاق الاتحاد العراقي لكرة القدم للاتحاد الدولي بشكل رسمي عام 1950م، كما تم الانضمام للاتحاد الآسيوي لكرة القدم 1970م، ليتوالى بعدها الانضمام لاتحاد غرب آسيا لكرة القدم عام 2001، قبل المشاركة في كأس الخليج العربي لكرة القدم عام 2016.
ويحتل المنتخب الوطني العراقي المركز الـ70 ضمن تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي أجراه عام 2020، وكما ذكرنا يظل للمنتخب العراقي، وللدوري العراقي مكانة خاصة جدًا لدى الشعب، الذي يفرح معه ويحزن لخسارته بلا شك.
أزمات في الرياضة العراقية
على الرغم من أنه في السابق، وخصوصًا في فترة الثمانينيات من القرن الماضي كان للرياضة العراقية الكثير من الإسهامات على المستوى العربي، في البطولات المختلفة سواء كان في كرة القدم خصوصًا، أو في الرياضة عمومًا.
وكان يتم الاهتمام باللاعبين، والمدربين الذين يستطيعون الإسهام في رفعة الرياضة العربية، ولكن اليوم أصبح وبشكل متكرر هناك الكثير من الأزمات التي تعاني منها الرياضة العراقية، والتي تعد أحد أوجه الأزمات العامة التي يواجهها العراق على مختلف الأصعدة، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية.
ولعل أبرز هذه الأزمات يمكن أن نتبينه في حادثتين حدثتا على مدار العشر سنوات الماضية، الأولى كانت في فضيحة المنتخب العراقي للشباب، عندما أوقفت السلطات العراقية 13 لاعبًا في صفوف منتخب الناشئين في يوليو/تموز 2018م، وتم مصادرة جوازات سفرهم، بعد اكتشاف أنها جوازات سفر مزورة.
وتم تزوير أعمار اللاعبين فيها، وتم منعهم من السفر إلى الأردن، لخوض المشاركة في بطولة غرب آسيا للناشين، ليتم على الفور تحرك الحكومة العراقية للتحقيق في هذا الأمر والذي قاد إلى اكتشاف فساد كبير.
نتج عن هذا التحقيق أولًا إبلاغ الاتحاد العراقي اعتذاره لاتحاد غرب آسيا عن المشاركة في البطولة، كما تم إعفاء كل من علي الهادي مدرب منتخب الناشئين وجهازه المعاون من مسؤولياتهم التدريبية والإدارية على الفور، وإحالتهم للتحقيق، ولكن الأزمة تضخمت عندما تم اكتشاف حالات تزوير في أندية دوري الناشئين، والتي تمثلت في اكتشاف ما يزيد عن 135 هوية أحوال مدنية مزورة، إضافة إلى 35 لاعبا يلعبون بأسماء أشقائهم، ليتم على الفور تأجيل دوري أندية الشباب، بعدما انتهى التحقيق بأن هناك ما يزيد عن 541 لاعبا هوياتهم مزورة إما بالأعمار، أو بأسماء أشقائهم.
لنأتي بالأزمة الثانية التي حدثت في يوليو من العام الجاري 2024، عندما تم استبعاد اللاعب سجاد غانم من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية برياضة الجودو، بعدما أتت نتيجة فحصه بالإيجاب لتعاطي المنشطات، والتي كشفت عن وجود عينات من مادتي الميثاندينون والبولدينون في العينات التي تم أخذها في باريس.
ليأتي على الفور تحرك بعثة العراق بالطعن على قرار إيقاف اللاعب، نظرًا لكون اللاعب لم يكن يعلم بأن هذه المواد محظورة، ولم يتم إعلامه أو إعلام البعثة بذلك خلال المعسكرات التدريبية التي تم إجراؤها قبل الخوض في البطولة.
ويرى كثير من المحللين الرياضيين أن تعامل الحكومة في الأزمة الأولى كان صحيحًا بنسبة 100%، بل سيأتي بنتائج إيجابية، بينما في الحادثة والأزمة الثانية كان العذر أقبح من الذنب، وأن هذا العذر بعدم إدراك اللاعب لحقيقة ما يتعاطاه قبل بطولة بحجم دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024، كان يجب عليه فتح تحقيق مع كافة المشاركين في البعثة العراقية، وإحالتهم جميعًا بما فيهم اللاعب نفسه للتحقيق.
وهذا نظرًا لكون الأزمة الأخيرة ترتب عليها أولًا تشويه والتشكيك في كافة المشاركين من الجانب العراقي، إضافة إلى منع اللاعب من ممارسة اللعبة، أو المشاركة في التدريب فيها على الإطلاق، فرأى الكثيرون أنه وفي هذه الواقعة تحديدًا لم يتم الوقوف على الأبعاد القانونية أو الأخلاقية لما حدث.
حلول للأزمات الرياضية في الأراضي العراقية
في الحادثتين نرى أن الرياضة العراقية تعاني من التزوير والمنشطات، والجدير بالذكر أن هذه ليست الحوادث الأولى من نوعها في المجال الرياضي بالعراق، ولكن كان يعول دائمًا المسؤولين عن الرياضة على عوامل مثل الزمن والنسيان اللذين ينتج عنهما الإهمال والفساد الرياضي.
الأمر الذي بدوره سيؤدي إلى عدم مشاركة الرياضة العراقية على صعيد الرياضة العالمية، في أي من الألعاب والرياضات المختلفة، فكيف لنا انتظار حلول جذرية من شخوص كانوا سببًا في كافة المظاهر والمشاهد التي تسببت في أذى لاسم دولة بحجم وتاريخ العراق على المستوى الرياضي.
والحل دائمًا للقضايا الخطيرة مثل التزوير، والمنشطات والفساد الرياضي هو الاستعانة بالأسماء اللامعة ذات السمعة الحسنة، والتاريخ المشرف، ووضعهم في مكانتهم التي تتناسب مع حجم خبراتهم، ووضع معايير زمنية، وتوفير كافة الآليات والتدابير القانونية، والانضباطية، ضمن اللوائح الدولية، والمحلية، من أجل تطوير الرياضة العراقية.
وهذا بالتأكيد سيحتاج لبعض الوقت، ولكن ستكون ثمرة زرعتها بشكل سليم، وبطريقة صحيحة، ستضمن لك محصولا جيدا، سواء على مستوى البطولات المحلية التي ستكتسب شهرة عالمية، إضافة للمشاركات في البطولات العالمية، إذ ومع الوقت سيعود اسم العراق لوضعه الطبيعي ضمن المنتخبات، والرياضات العالمية.