مخاطر صحية وأمنية تلاحق سائقي توصيل الطلبات في العراق
في ظل تفاقم البطالة وندرة فرص العمل، باتت خدمة توصيل الطلبات عبر الدراجات النارية ملاذاً لآلاف الشبان العراقيين الذين يبحثون عن مصدر رزق، لكنهم يعانون من مشاكل كثيرة من بينها غياب الضمانات الاجتماعية والتأمين الصحي، مروراً بالتعرّض لمضايقات وملاحقات من رجال المرور، وصولاً إلى تلقي تهديدات أمنية تجعل عملهم مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر.
يقول علي (26 سنة) لـ"العربي الجديد": "أشم رائحة الطعام طوال اليوم، لكنني نادراً ما أستطيع شراءه لنفسي. راتبي اليومي يكفي بالكاد لتغطية تكاليف الوقود والصيانة الأساسية لدراجتي، وأنا واحد من آلاف الشبان الذين وجدوا في خدمات توصيل الطعام ملاذاً أخيراً في ظل شحّ فرص العمل، لكنه يترافق مع مخاطر وتحديات خاصة".
يضيف: "تعرضت أخيراً لحادث مرور أفقدني القدرة على العمل مدة أسبوعين، ولم أحصل على أي تعويض كما لا أملك تأميناً صحياً، وكل يوم لا أعمل فيه يكون بلا دخل. أيضاً الأمن متذبذب في العراق. أحياناً يتوتر الوضع بسبب حادث أثار ضجة في الأوساط الإعلامية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، كما حصل في الآونة الأخيرة حين ارتدى مسلحون زيّ سائقي توصيل ونفذوا عمليات عنف وقتل وسرقة، ما دفع أجهزة الأمن إلى تشديد الإجراءات ضد سائقي الدراجات النارية، فتعرّضوا لمضايقات سواء أثناء التنقل بين الأزقة أو عند نقاط تفتيش".
ويقول أمجد علوان البالغ 28 عاماً من العمر لـ"العربي الجديد": "درست في كلية الهندسة، وبعدما تخرجت، وجدت أن الوظائف الحكومية تتطلب توفير واسطة أو دفع رشاوى، والقطاع الخاص شبه معدوم، فانتهى بي المطاف في العمل سائق توصيل".
يضيف: "تعرضتُ للعديد من المضايقات أثناء توصيل الطلبات، خاصة من نساء حاولن استدراجي إلى داخل المنزل، كما أن هناك مضايقات أخرى مثل التعصب واستخدام كلمات بذيئة بسبب تأخر توصيل الطلبات، وأحياناً لا يتسلم زبون الطلب ولا يرد على الهاتف، ما يجعلني أتحمل جزءاً من الخسارة".
ويشير إلى أن عناصر أمن المرور يلاحقون العاملين في خدمة التوصيل دائماً بسبب السرعة أو بسبب إجراءات جديدة يقررها جهازهم فجأة من دون منح وقت لتنفيذها. ويعرضنا ذلك لغرامات مالية نتحملها نحن وليس أصحاب المطاعم أو المحال. وما يؤثر نفسياً على عمال الدليفري أنهم قد يحملون أطعمة أو سلعاً لا يستطيعون شراءها لأنفسهم أو لعائلاتهم في كثير من الأحيان".
على صعيد آخر، يفضل أصحاب محال تجارية الاعتماد على الدراجات النارية بدلاً من السيارات في توصيل الطلبات. ويقول حسين الشمري (أبو علي) لـ"العربي الجديد": "أفضّل التعامل مع سائقي الدراجات النارية بسبب سرعتهم في تجاوز الزحمة، ما يساعد في توصيل الطلبات في وقت أقل، خاصة خلال أوقات الذروة عندما تكون الشوارع مزدحمة. وبالنسبة لي، تعني السرعة كسب رضا الزبائن الذي يجلب مزيداً من الطلبات والأرباح". يضيف أن "التكلفة أقل مقارنة بسيارات التوصيل، سواء على صعيد استهلاك البنزين أو الصيانة، ما يخفف التكاليف على المحال التجارية والمندوبين أنفسهم، كما أن أصحاب الدراجات النارية يستطيعون الوصول إلى مناطق ضيّقة لا تستطيع السيارات دخولها. والدراجات النارية خيار عملي جداً، لأنها توفر توصيلاً أسرع وتقلل احتمال تأخير الطلبات، ما يعزز سمعة المحل، ويزيد ثقة العملاء".
وفي نهاية العام الماضي، أصدرت وزارة الداخلية ضوابط وآليات جديدة تهدف إلى تقليل عدد دراجات التوصيل في الشوارع. وقال العميد مقداد ميري إن "الوزارة حدّدت ضوابط لمستخدمي الدراجات النارية، خاصة سائقي التوصيل، من خلال إخضاعهم لتدقيق أمني وأخذ تعهدات خطية كاملة من أصحاب المحال بعدم تشغيل أي عامل إذا كانت دراجته النارية غير مسجلة لدى دوائر المرور. وتتضمن الضوابط أيضاً توحيد ألوان الدراجات باللون الأصفر مع وضع شريط (ستيكر) يشير إلى أن الدراجة مسجلة في مصلحة المرور، وأيضاً تشديد إجراءات السلامة، وإلزام السائقين بارتداء خوذ كي يكونوا أكثر وضوحاً للأجهزة الأمنية، ومنحهم تسهيلات في الحركة والتنقل. وحذر من أن مخالفي الضوابط سيخضعون لمساءلة قانونية".
ويرى الاتحاد العراقي لنقابات العمال أن شريحة سائقي توصيل الطلبات تواجه مشاكل عدة لا تقتصر على ملاحقة رجال أمن المرور. ويقول رئيسه وليد نعمة لـ"العربي الجديد": "هناك مشاكل إدارية تضاف إلى جشع بعض أصحاب العمل الذين يتهربون من تسجيل عمال خدمة التوصيل في صندوق الضمان لتجنّب دفع مستحقات مالية". ويشير إلى أن "ساعات العمل في هذه المهنة أطول من غيرها، فهي غير محددة بزمن، رغم أن القانون يحدد الزمن بثماني ساعات يومياً، لكن سائقي التوصيل يقضون نصف اليوم أو أكثر في العمل من دون أجر إضافي. أيضاً، يواجه عمال خدمات التوصيل مضايقات بسبب استغلال بعض المجرمين زيّهم في تنفيذ عمليات اغتيال. وجعلهم ذلك مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت فيديوهات عن خوف المجتمع منهم، وأخرى سخرت منهم".
ويتحدث الباحث الاقتصادي الدكتور باسم جميل لـ"العربي الجديد" عن أن "قصص سائقي التوصيل تعكس أزمة أعمق تواجه الشباب تتمثل في تفشي البطالة، واستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، والبيروقراطية المعقدة. وهذه عوامل تساهم في تدهور الوضع الاقتصادي". يضيف: "لم يجد العديد من خريجي الجامعات والمعاهد فرصاً في الوظائف الحكومية، ما اضطرهم إلى البحث عن عمل في القطاع الخاص، لكن بعض هذه الفرص قد تعرّض حياتهم لخطر، مثل مهنة الدليفري التي تمارس ساعات طويلة، وتواجه مخاطر أمنية ومرورية".
ويقول طبيب العظام الدكتور فيصل الأسدي لـ"لعربي الجديد": "يواجه سائقو التوصيل الذين يعتمدون على الدراجات النارية العديد من المشاكل الصحية، خاصة في العظام والعضلات، أولها آلام الظهر والرقبة بسبب الجلوس فترات طويلة في أوضاع غير مريحة تجهد العمود الفقري. كما أن مشاكل المفاصل تظهر مع مرور الوقت، خاصة في الركبتين واليدين، نتيجة التعرض المستمر للاهتزازات أثناء القيادة، والضغط المتكرر على المقابض والمكابح، ما قد يتسبب في التهابات في المفاصل، أو حتى خشونة في الركبة والتهاب الأوتار في اليدين". يضيف: "يعاني بعض سائقي التوصيل أيضاً من آلام الرسغ وتنميل الأصابع بسبب الإمساك بالمقود فترات طويلة من دون راحة، ما قد يؤدي إلى ضغط على أعصاب اليد، وأحياناً يتسبب ذلك في الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي".
وفي شأن الحوادث، يوضح الأسدي أن "الدراجات النارية تشكل خطراً كبيراً، فأي سقوط أو اصطدام قد يؤدي إلى كسور خطيرة، خاصة في اليدين والقدمين، وأيضاً إصابات قد تكون كارثية في العمود الفقري".