حتى لا يتكرّر السيناريو العراقي في سورية

العربي الجديد

حتى لا يتكرّر السيناريو العراقي في سورية

  • منذ 1 أسبوع
  • العراق في العالم
حجم الخط:

يُلقي السيناريو العراقي بظلاله على المشهد السوري بعد أعمال العنف الطائفية التي عرفها الساحل. وعلى الرغم مما أبداه غالبية السوريين من وعيٍ بضرورة تخطّي المخلّفات الاجتماعية والنفسية لما حدث، والانحياز لخيار الوحدة الوطنية، والحدّ من التوتّر الناجم عن الانقسام الفكري والطائفي... على الرغم من ذلك، لا يبدو ما حدث في العراق، من احترابٍ طائفيٍّ دامٍ بين 2006 و2008، بعيداً من التحقّق في الساحة السورية، خصوصاً أن من شأن ما يشهده الإقليم، من متغيّراتٍ نتيجة التداعيات المستمرّة لحرب غزّة، أن يدفع المشهد السوري إلى مزيدٍ من التأزّم.

كان الاحتراب الطائفي الذي شهده العراق، بعد الاحتلال الأميركي وسقوط نظام صدّام حسين، أحدَ أكثر الفصول دمويةً في تاريخه منذ تأسيس الدولة العراقية بعد الحرب العالمية الأولى، فقد أودى بحياة عشرات آلافٍ من المدنيين الذين سقطوا في أعمال عنفٍ وقتل جماعيٍّ وهجمات، استهدفتهم في مناطق ذات أغلبية سُنّية أو شيعيّة في بغداد وغيرها. وللتاريخ، كان لسياسات النخبة العراقية الجديدة، وتحديداً حكومة نوري المالكي الأولى، أثرُها في إذكاء نار الفتنة المذهبية بين العراقيين، والتأسيس للطائفية السياسية، في ضربٍ سافرٍ لأسس الدولة المدنية والديمقراطية القائمة على المواطنة والتعدّدية والتعايش. واليوم، لا تبدو الحكومة السورية الجديدة معنيةً بالانخراط في تدابيرَ جادّةٍ من شأنها أن تحول دون انجرار سورية إلى السيناريو العراقي؛ فقد أخفقت في إعادة بناء المؤسّستين، الأمنية والعسكرية، بشكلٍ يقطع مع مظاهر التسلّح غير النظامي، ويساعد في احتكار العنف الشرعي بما يضمن الأمن والاستقرار والسلم الأهلي. كما أن الإعلان الدستوري، الذي يُفترَض أن يضع خريطة طريق واضحة للتحوّل نحو الديمقراطية، عكس، في النهاية، حسابات هذه الحكومة، أو بالأحرى حسابات تشكيلاتها العسكرية، وتطلّعها إلى إقامة نظامٍ سلطويٍّ لا يخلو من طائفية بادية.

ليس من السياسة والحكمة في شيءٍ تحميل الطائفة العلوية جرائم النظام السابق، والتوسّل بخطابٍ سُنّيٍّ (أمويٍّ) يستضعفها في استئساد طائفي رخيص. ما جرى في مدن الساحل وبلداته من فظائع بيد تنظيماتٍ مسلّحةٍ غير نظامية، لا يستدعي مسؤولية النظام الجديد في حفظ النظام العام فقط، بقدر ما يسائل كذلك شرعيتَه السياسية، وقدرتَه على تأمين المسار الانتقالي، الذي يُفترَض أن ينتهي بإقامة دولةٍ مدنيةٍ وديمقراطيةٍ تسع السوريين كلّهم، بصرف النظر عن انتماءاتهم المذهبية والدينية والعرقية.

أخفق هذا النظام في أول اختبار سياسي وأخلاقي بعد سقوط نظام الأسد، فمن جهة، لم يحُل دون استدراج بعض جماعاته العسكرية (الجهادية) إلى ارتكاب مجازر مروّعة، كان بوسعه تجنّبها لو توفّق في إدارة تدخّله ضدّ فلول نظام الأسد بأقلّ الخسائر. ومن جهة أخرى، عجز عن حماية مئات المدنيين من الطائفة العلوية الذين سقطوا ضحية إرهاب هذه الجماعات. وعوض أن يعمل على اجتثاث الطائفية السياسية، التي زرعها حكم الأسد، سعى إلى تكرار السيناريو العراقي، عن قصدٍ أو من دون قصد، بإعادة إنتاج نسخةٍ أخرى منها أكثر ضحالةً، تتغذّى على الانتقام والثأر وفتح جردات الحساب الطائفية.

تستوجب الانتهاكات الفظيعة، التي راح ضحيتها مئات المدنيين (سُنّةً وعلويين) في الساحل السوري، محاسبةَ الجناة المسؤولين عنها. وأي تأخّرٍ في ذلك ستكون له تبعات على السلمين، الأهلي والاجتماعي. ويبقى أخطرَ ما يتهدّد المشهدَ السوريَّ دخولُ دولة الاحتلال على الخطّ، وسعيُها إلى تغذية الاحتقان الطائفي الذي سبّبته أحداث الساحل. واستقبال رجال دين سوريين دروز في الأراضي الفلسطينية المحتلّة يطرح أكثر من تساؤلٍ حول استراتيجيّتها (إسرائيل) لضرب الوحدة الوطنية السورية، بذريعة حماية الأقلّيات، هذا من دون إغفال ما يمكن أن يُسفر عنه الخطاب المتنامي في كواليس المنظمات الدولية بشأن حقوق هذه الأقلّيات ومستقبلها.

يُؤمل أن يكون السوريون قد استوعبوا دروس أحداث الساحل على ما فيها من مآسٍ، ذلك أن تكرارها واتساع رقعتها وتساهل النظام الجديد مع المسؤولين عنها... ذلك كلّه يفتح الباب على مصراعيْه أمام خطر ضرب مقوّمات النسيجين، الوطني والأهلي، السوريين.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>