عن الأحزاب السياسية في العراق

العربي الجديد

عن الأحزاب السياسية في العراق

  • منذ 5 يوم
  • العراق في العالم
حجم الخط:

ليس سرّاً القول إن الأحزاب التي ساهمت في تأسيس العملية السياسية لعراق ما بعد الغزو الأميركي (2003) فشلت في أن تقدّم نفسها أحزاباً لها برامج وأفكار ورؤية وأهداف تسعى لتحقيقها. فحتى تلك الأحزاب التي كانت تصف نفسها بأنها أحزاب مُؤسِّسة في التجربة السياسية في العراق (حزب الدعوة الإسلامي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الإسلامي العراقي، التي يعود تاريخ تأسيس بعضها إلى منتصف القرن الماضي) فشلت، ولم تعد لها حاضنة شعبية. فما هي أسباب هذا الفشل؟ وهل بات على العراقيين البحث عن أحزاب جديدة تسدّ النقص الذي باتت تشكّله التجربة الحزبية السياسية الفاشلة بعد نحو 22 عاماً على احتلال العراق؟
من المهم جدّاً أن نشير بدايةً إلى أن التجربة السياسية الحزبية في العراق ليست وليدة مرحلة ما بعد احتلال العراق، فهي تجربة أصيلة وقديمة، عمرها من عمر تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، أو ربّما قبل ذلك. إذ تشير الدراسات التي أرّخت لظاهرة الأحزاب في العراق أن بوادر الوعي السياسي في العراق بدأت مع مطلع القرن العشرين، وأن أوّل حزب عراقي أعلن نفسه كان حزب الاستقلال، الذي تأسّس عام 1920، ثمّ تلاه الحزب الوطني العراقي عام 1922، والحزب الوطني الديمقراطي عام 1946.

بثّت الولايات المتحدة الروح في جسد الأحزاب العراقية الميتة سريرياً، ونظّمتها لتشكيل معارضة تمنحها صكّ الغزو واحتلال العراق

وكانت حقبة الخمسينيّات والستينيّات غنيةً بالأحزاب السياسية التي لها برامج وصحف، وتمارس حقّها السياسي في التعبير عن رأيها، قبل أن تتم الإطاحة بتلك التجربة السياسية إثر وصول حزب البعث إلى السلطة عام 1968، ومحاولته بدايةً احتواء الأحزاب في الجبهة القومية التقدمية، وصولاً إلى حظر الأحزاب باستثناء حزب السلطة، حزب البعث.
أعادت الولايات المتحدة بثّ الروح في جسد الأحزاب العراقية الميتة سريرياً، التي كانت موجودةً في خارج العراق، من خلال تجميع تلك الأحزاب المعارضة وتنظيمها في اجتماعات متتالية لتشكيل معارضة تمنحها صكّ الغزو واحتلال العراق، وهو ما كان، وكانت هذه بداية النهاية للتجربة الحزبية في العراق. مع سقوط النظام العراقي بيد قوات الاحتلال الأميركي عام 2003، شهد العراق تحولاً دراماتيكياً في المشهد السياسي، فقد عادت الأحزاب المعارضة من المنفى لتقود المرحلة الانتقالية، كما ظهرت أحزاب وتيارات جديدة تعكس التنوّع الطائفي والإثني والأيديولوجي للمجتمع العراقي.
بداية فشل التجربة الحزبية في العراق كان على يد قوات الاحتلال الأميركي، فهي عملت على توزيع الأموال للأحزاب التي شاركت في تأسيس ما عُرف وقتها بمجلس الحكم، كما أنها فتحت الباب واسعاً لأيّ حزب جديد وأغدقت عليه الأموال، فكان العراق يشهد ولادة حزب كلّ يوم، حتى إذا ما حلّ العام 2005 حين أُجريت أول انتخابات برلمانية في العراق، كان عدد الأحزاب التي شاركت في تلك الانتخابات قد تجاوز مائتي حزب، ما لبثت أن تحوّلت مفاصل عسكرية في جسد الدولة بعد أن سمحت لها القوات الغازية بأن تشكّل مليشيات مسلّحة، بعضها كان لديه مليشيات مسلّحة أصلاً بحجّة محاربة الإرهاب. فكان لتلك الأحزاب أذرع عسكرية منفصلة عن جسد الدولة، ثمّ لاحقاً صار لها أذرع اقتصادية أيضاً، خاصّة في المرحلة التي تلت انتهاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المناطق التي احتلّها.
بعد 22 عاماً من التجربة الحزبية وحرّية إنشاء الأحزاب في العراق، يمكن القول بكلّ ثقة واطمئنان أن هذه التجربة أثبتت فشلها ولم تعد مغريةً، بل كانت أحد أهم أسباب فشل النظام السياسي القائم حالياً في العراق. فهذه الأحزاب تحوّلت إلى منظومة فساد شلَّت الدولة، ناهيك عن أن كثيراً منها بات ذراعاً أجنبية بلسان عراقي "غير مبين".
لقد بُني النظام السياسي العراقي بعد 2003 على أساس المحاصصة الطائفية والإثنية، فوُزعت المناصب السياسية ومؤسّسات الدولة على أساس الانتماء الطائفي والإثني، وليس على أساس الكفاءة والمواطنة، الأمر الذي أدّى إلى تعزيز الهُويَّات الفرعية على حساب الهُويَّة الوطنية الجامعة، وشجّع الأحزاب على استثمار الانقسامات المجتمعية لتعزيز مواقعها السياسية، فأصبحت الأحزاب تعبر عن مصالح طوائف وإثنيات محدّدة، وليس عن برامج سياسية واقتصادية شاملة لعموم المواطنين العراقيين. كما أن غالبية الأحزاب العراقية تعاني من ضعف البناء المؤسّسي الداخلي، وغياب الديمقراطية في هياكلها التنظيمية، وغياب آليات التداول السلمي للسلطة داخلها، فضلاً عن افتقارها إلى القواعد الشعبية الحقيقية، واعتمادها على الولاءات الطائفية والمناطقية بدلاً من الانتماء الأيديولوجي والبرامجي. أدّى هذا الضعف المؤسّسي إلى تحوّل الأحزاب امتداداتٍ لزعاماتها، لا مؤسّساتٍ تعكس إرادة أعضائها وتطلّعات ناخبيها.

أدّى الضعف المؤسّسي إلى تحوّل الأحزاب العراقية امتداداتٍ لزعاماتها، لا مؤسّساتٍ تعكس إرادة أعضائها وتطلّعات ناخبيها

إن فشل التجربة الحزبية في العراق أدّى إلى نتائج وخيمة على واقع النظام السياسي، إذ فقد المواطن العراقي ثقته بهذا النظام وبآليات النظام الديمقراطي. ولعلّ انتخابات 2021 كانت مؤشّراً واضحاً على عدم إيمان المواطن بتلك الديمقراطية المزيّفة، فلم يشارك في تلك الانتخابات أكثر من 20% في أحسن التقديرات. كما أن هذه الأحزاب بفشلها باتت مهدّدةً للوحدة الوطنية، خاصّة أن كثيراً من تلك الأحزاب، بسبب التبعية للخارج ومصالحها الفئوية الضيقة، باتت تطرح خيار تقسيم العراق، كما عبّر عن ذلك عدد من قادة تلك الأحزاب خلال الأيّام القليلة الماضية.
إن النظام السياسي وصل إلى مرحلة الانهيار، ولولا الدعم الذي تحظى به العملية السياسية في العراق من أميركا وإيران لانهار هذا النظام السياسي في أعقاب انتفاضة تشرين (2019). واليوم، ونحن نشهد نهاية مرحلة التخادم الأميركي الإيراني؛ يبدو أن النظام السياسي في العراق بات على سطح صفيح ساخن، هو ومن معه من أحزاب شكّلت السلطة طيلة 22 عاماً، وكانت عنواناً للفشل.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>