محافظ نينوى لـ"العربي الجديد": سقوط الموصل بدأ قبل 10 يونيو 2014
في الذكرى العاشرة لسقوط مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية شمالي البلاد، بيد تنظيم داعش في مثل هذا اليوم في العام 2014، يتحدث محافظة نينوى عبد القادر الدخيل، لـ"العربي الجديد"، عن جوانب عديدة قبل وبعد سقوط المدينة وواقعها الحالي. ويقدم الدخيل رواية حول ملابسات سقوط الموصل، مؤكداً أن صفحة "داعش" طويت.
*مرّت 10 سنوات على سقوط الموصل والنكبة التي لحقت بعموم نينوى. كيف تصفون ما حدث؟
ــ بعد سنة 2003، كانت البوصلة السياسية لنينوى غائبة، ولم تظهر أي جهة من أبناء نينوى والموصل لتقود المشهد السياسي في ذلك الوقت، ما أدى إلى بروز جماعات متطرفة، وأبرزها تنظيم القاعدة الذي تنامى حتى أصبح يسيطر على معظم مفاصل الحياة في نينوى. والتنظيم كان يدير دوائر الدولة في ظل وجود الأجهزة الأمنية والحكومة العراقية. كما سيطر التنظيم على مقدرات الموصل ونينوى عموماً، المالية والاقتصادية، فالمزايدات والمشاريع والأعمال التجارية كانت تخضع للتنظيم الذي يجبر المواطنين على دفع الإتاوات، ابتداء من صاحب المعمل والصيدلية ومحطة الوقود وغيرها، فكانت الجباية التي يحصلها أعلى وأكبر من الجباية التي تحققها الدولة. وهنا، أكرر مرة أخرى أن عدم وجود أي جهة سياسية في نينوى تقود المشهد والبوصلة في المحافظة، وعدم توجه أبناء المحافظة في عمل سياسي منظم يحل محل النظام السابق بعد 2003، أديا في المحصلة النهائية إلى سقوط الموصل بيد "داعش" وإعلان الخلافة المزعومة في 10 يونيو/ حزيران 2014.
*لكن الرواية الحكومية تتحدث عن سيطرة "داعش" على الموصل بشكل مفاجئ؟
ــ تنظيم داعش، وقبله "القاعدة"، كان يسيطر على الوضع في نينوى إلى حد كبير. حتى إن الكثير من الموازنات المالية في سنوات ما قبل 2014 عادت إلى بغداد، إما لأن التنظيم كان يفرض إتاوات كبيرة على المشاريع أو بسبب أنه كان يرفض تنفيذ تلك المشاريع. ولا يخفى على الجميع أن مرحلة ما قبل العاشر من يونيو 2014 كانت تشهد تقاطعاً كبيراً وخلافات مستمرة بين الحكومة المحلية آنذاك والقوات الأمنية. هذا التقاطع انعكس على واقع حال المدينة، وأصبح المواطن ضحية لهذه التصرفات. أنا أقول إن سقوط الموصل لم يكن في 10 يونيو 2014، ولكن قبل هذا التاريخ بكثير. وعندما دخل "داعش" الدخول الأخير إلى المدينة فقد دخل بـ300 مقاتل بحسب المعلومات الأمنية، بينما كان قوام القوات العراقية يزيد عن 65 ألف منتسب في الجيش والشرطة. فكيف لـ300 شخص أن يهزموا تلك الجحافل العسكرية الكبيرة؟
*هناك مخاوف من عودة تنظيم داعش أو تصاعد الخروق الأمنية كما يحصل في صلاح الدين وكركوك وديالى مثلاً؟
الدخيل: ندعم قيادة شرطة نينوى لتكون مهيأة لاستلام الملف الأمني
ــ الوضع في الموصل اليوم تحت السيطرة الكاملة للقوات العراقية، ولا توجد أي مخاوف من عودة "داعش" أو الانهيار الأمني كما كان في السابق. بعض عناصر "داعش" الموجودين في المناطق التي تربط بين نينوى والأنبار وصلاح الدين، أو نينوى وكركوك وصلاح الدين، يحاول تنفيذ عمليات إرهابية محدودة، لكن الوضع في نينوى مطمئن، بفضل التعاون الكبير بين القوات العراقية والمواطنين الذين أصبحوا يمتلكون حساً أمنياً يدفعهم للتبليغ عن أي أنشطة مشبوهة أو إرهابية، فضلا عن التنسيق بين القوات الأمنية بمختلف الصنوف، من الجيش والشرطة والحشد (الشعبي) والاستخبارات والأمن الوطني والمخابرات وغيرها. حقبة "داعش" في العراق والموصل طويت بلا رجعة.
*طالبتم في وقت سابق بتسليم الشرطة المحلية ملف الأمن. إلى أين وصلتم بهذا الملف؟
ــ ندعم قيادة شرطة نينوى لتكون مهيئة لاستلام الملف الأمني. هناك انتشار كبير لقوات الشرطة المحلية ومراكز الشرطة في مدن وأقضية المحافظة، ونسعى بالتنسيق مع السلطات الأمنية في بغداد لأن يكون ملف الأمن بيد الشرطة المحلية التي يتكون قوامها من أبناء نينوى، ونرى أن تلك القوات المحلية أثبتت قدرتها على إدارة الأمن بدعم من القطعات العسكرية في الجيش العراقي.
*ماذا عن مقار الفصائل المسلحة المنتشرة داخل الموصل... متى يتم إخراجها من المدينة؟
ــ قدمنا طلبات إلى رئيس الوزراء (محمد شياع السوداني) ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، ووعد رئيس الوزراء بحل الموضوع واتخاذ الإجراءات المناسبة لنقل تلك المقار إلى خارج المدن. كما أبدى الفياض الموافقة المبدئية على نقل مقار الحشد إلى خارج الموصل. وبدورنا في نينوى سنقوم ببناء كل المقار للقوات الأمنية من أجل تسهيل إجراءات نقلها من داخل مدينة الموصل.
*كيف تنظرون للوضع في سنجار، وهل القضاء حالياً خارج عن سيطرة الدولة العراقية ويخضع لنفوذ وسيطرة حزب العمال الكردستاني؟
ــ الحكومة العراقية صنفت حزب العمال الكردستاني حزباً محظوراً، وبالتالي يُمنع التعامل معه، وهو بكل تأكيد يشكل عامل قلق وخوف في نينوى والعراق، ولكن الحكومة ببغداد، برئاسة محمد شياع السوداني، جادة في حل مشكلة سنجار من خلال تشكيل إدارة محلية وتعزيز وجود القوات الأمنية وإعادة النازحين بشكل كبير، ودعم ذلك من خلال صرف التعويضات وتمليك الدور للمواطنين الإيزيديين. أما عن سؤالك من يسيطر، فهناك سيطرة للقوات العراقية على قضاء سنجار، ولكن لا ننكر وجود حزب العمال الكردستاني وسيطرته على بعض المناطق في القضاء، وخاصة جبل سنجار والمناطق المحيطة به، كالخنادق والأوكار القريبة منه.
* سبع سنوات على انتهاء الحرب، إلى أين وصلت عملية الإعمار في الموصل بعد الخراب؟
ــ محافظة نينوى عموماً، والموصل على وجه التحديد، في مرحلة إعادة الإعمار والتأهيل، ولا سيما المنطقة القديمة التي كان مشهد الدمار فيها مخيفاً للغاية، حيث دمرت الحرب نحو 35 ألف وحدة سكنية هناك، إلى جانب مؤسسات الدولة والبنى التحتية والأسواق التجارية وغيرها. ثم بدأت عملية الإعمار التي أخذت مؤخراً بالتركيز على المشاريع المهمة والاستراتيجية، كمشاريع مطار الموصل وتوسعة المدينة والواجهة النهرية والمدينة الرياضية والأسواق التراثية وسوق الصاغة وشارع النجيفي وضفاف الأنهر وغيرها. نحن حالياً لا نرضى فقط بالمشاريع التكميلية كالشوارع ومد شبكات المياه، إذ إن الموصل لها مقومات كبيرة للنجاح، ومنها أنها تمتلك أكثر من سبعة ملايين دونم صالحة للزراعة وأكثر من 250 معملاً ومصنعاً، فضلاً عن كونها مدينة تراثية وسياحية، ولذلك أُدخلت المشاريع المهمة حسب متطلبات المدينة وأهلها، وأصبحت (المشاريع) على السكة الحقيقية للإعمار، لا سيما أن الحكومة المحلية أطلقت شعار "نينوى في 2026 ستكون بحلة جديدة".
* ما هي أبرز هذه المشاريع في الوقت الحالي؟
ــ أبرز المشاريع التي تعمل عليها الحكومة المحلية اليوم هي مطار الموصل الدولي، الذي تسير الأعمال فيه بشكل متسارع، ومن المؤمل إنجازه نهاية العام الحالي. ومن المشاريع المهمة أيضاً مشروع توسعة الموصل، الذي يتضمن توسيع المدينة من جميع الاتجاهات عبر إضافة 160 ألف دونم لاستغلالها في أغراض السكن والمشاريع التجارية والصناعية والسياحية وغيرها، وأحيل المشروع لشركة إيطالية متخصصة لوضع التصاميم الخاصة بالتوسعة، وجرى تجاوز بعض الخلافات التي أثيرت مؤخراً بسبب اعتراض جهات من المكون (الشبكي) على التوسعة نحو جهة سهل نينوى، ولكن المشكلة حُلت. السبب في رفض بعض الجهات من المكون الشبكي للمشروع يرجع لتخوفهم من أن تكون التوسعة على حساب أراضيهم ومناطقهم، لكني أبعث رسالة اطمئنان لهم بأن التوسعة لن تكون على حساب مناطق الشبك أو أي مكون آخر، ولن تستهدف التغيير الديمغرافي لتلك المناطق كما يتخوف البعض.
والقطاع الأهم الذي تسعى الحكومة المحلية لدعم مشاريعه هو قطاع الصحة. فالمحافظة تسعى لإكمال إعمار كافة المستشفيات المدمرة وبناء المستشفيات الجديدة خلال العام 2026، ورفع الطاقة الاستيعابية لها إلى ستة آلاف سرير، بالإضافة إلى مشاريع تطوير وإعمار الواجهة النهرية لدجلة في الموصل القديمة وأسواقها وجعلها قبلة للزوار، وكذلك مشروع المدينة الرياضية في أيمن الموصل الذي سيطلق قريباً، إلى جانب مشروع المدينة السياحية في سد الموصل، والتخطيط لاستئناف العمل في مشروع ريّ الجزيرة الذي يضمن إرواء الأراضي الزراعية في نينوى وبقاءها سلة حقيقية للخبز في العراق.
*ماذا عن مشاريع النفط في نينوى؟
ــ هناك العديد من الحقول النفطية، وأبرزها نجمة والقيارة، ومواقع نفطية أخرى في بادوش وسهل نينوى وعداية وجنوب سنجار والمحلبية. نسعى لتحويل نينوى إلى محافظة نفطية بحسب تعليمات وزارة النفط التي تعد أي محافظةٍ نفطيةً في حال وصول الإنتاج النفطي فيها إلى أكثر من 100 ألف برميل يومياً. نحاول اليوم تفعيل الاستثمار النفطي لإنتاج أكثر من 100 ألف برميل يومياً.
*طريق التنمية بين العراق وتركيا عبر محافظة نينوى، ماذا عنه؟
الدخيل: محافظة نينوى عموماً، والموصل تحديداً، في مرحلة إعادة الإعمار والتأهيل
ــ طريق التنمية يمثل مشروعاً استراتيجياً للعراق وللشرق الأوسط ولدول عديدة، ويمر الطريق مسافة 500 كيلومتر داخل المحافظة، وتشرف وزارة النقل حالياً على تصاميم المشروع ومسار الطريق، وإذا مر في شرق الموصل أو غربها فإن المحافظة ستستفيد للغاية من المشروع. وهناك مفاوضات بين الحكومة العراقية والجانب التركي بالتنسيق مع إقليم كردستان في ما يخص تحديد نقطة دخول طريق التنمية من العراق إلى تركيا. طريق التنمية سيساهم في الحد من نسب البطالة المتصاعدة في السنوات الأخيرة. وفي الحقيقة، لا توجد بيانات دقيقة عن أعداد العاطلين ونسب البطالة بسبب عدم وجود التعداد العام للسكان، ونأمل من التعداد العام الذي يجرى حالياً جمع بيانات دقيقة عن الأوضاع التي تخص العراقيين في مختلف النواحي، لا سيما أن الإحصاء يشمل البشر والحجر. ولكن البيانات الأولية تشير إلى أن نسبة البطالة كبيرة في نينوى، وتتجاوز 35%، وهذا الارتفاع له تداعيات خطيرة على واقع التنمية والأوضاع الاجتماعية ومردود سلبي في موضوع المخدرات والجرائم، لذلك نعمل جاهدين على إقامة المشاريع الاستثمارية الكبيرة لتشغيل اليد العاملة في نينوى.
*هذا في ما يتعلق بجهود الحكومة. ماذا عن قطاع الاستثمار؟
ــ لغاية اليوم لا يوجد في نينوى استثمار حقيقي للأسف. وما يوجد هو بعض الرخص والإجازات الاستثمارية، وهذه الرخص ليست بمستوى الطموح. في نينوى، هناك حاجة كبيرة للاستثمار وهناك مقومات للنجاح، لكن للأسف لا يزال الاستثمار معطلاً ويرجع ذلك إلى أسباب سياسية. إدارة نينوى ستقوم قريباً بحسم موضوع تشكيل مجلس إدارة جديد للاستثمار للعمل بشكل حقيقي على الاستثمار بعيداً عن الروتين والبيروقراطية. وفي نينوى اليوم، خمس شركات من جنسيات مختلفة تعمل في الموصل، وهناك طلبات من شركات أميركية وأجنبية للعمل في الموصل، ونحن بصفتنا حكومة محلية أبوابنا مفتوحة لكل الشركات العالمية التي نعتقد أن حضورها سيدفع نحو المزيد من المشاريع التنموية.
*كيف تنظر نينوى لتعامل الحكومة مع ملف النازحين؟
لا تزال هناك تحديات تواجه نينوى، في مقدمتها وجود مخيم الهول في الأراضي السورية القريبة. بقاء مخيم الهول يشكل هاجساً يقلق نينوى وعموم العراق، ولذلك هناك برامج تقودها الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية من أجل إعادة نازحي الهول إلى مخيم الجدعة في الموصل، ومن ثم إعادة تأهيلهم في الجدعة الواقعة في ناحية القيارة، ومن بعدها زجهم في المجتمع. أما عن ملف النزوح، فإن نينوى تسعى لإنهائه وعودة جميع النازحين إلى مناطقهم التي تركوها قبل سنوات. ونسعى من خلال دعم الحكومة المركزية لإطلاق التعويضات ومنح العودة لتسهيل عودة النازحين إلى جميع مناطق نينوى، حيث إن أغلب النازحين اليوم هم من قضاء سنجار، وقريباً ستعمل بغداد على معالجة المشاكل المتعلقة بالقضاء ومن بينها ملف النازحين.
سيرة ذاتية
عبد القادر أحمد حسن الدخيل من مواليد العام 1967، ويملك شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية، وعمل مديراً للبلديات في نينوى، ثم رئيساً للجنة إعمار الموصل. وتولى الدخيل منصب المحافظ في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم جدد انتخابه عام 2024 من قبل مجلس المحافظة. ينتمي الدخيل لقبيلة الجحيش العربية، وينحدر أصله من قضاء سنجار غربي نينوى.