الفصائل العراقية مستعدة لنزع سلاحها... وضغط أميركي لتفكيكها
منذ نحو أسبوع، تنشغل الأوساط السياسية والأحزاب في العراق بمشروع قانون قدمه عضو مجلس النواب الأميركي الجمهوري جو ويلسون، والذي أطلق عليه اسم قانون "تحرير العراق من إيران" ويرتكز بالمجمل على استهداف الفصائل العراقية المسلحة وأحزاب وشخصيات سياسية حليفة لطهران، بينهم قيادات سياسية بارزة، فيما برز أمس ما نشرته وكالة رويترز عن أن عدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران مستعدة ولأول مرة لنزع سلاحها لتجنب خطر تصاعد الصراع مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وقال عشرة من كبار القادة والمسؤولين العراقيين لوكالة رويترز إن عدة فصائل مسلحة مدعومة من إيران مستعدة ولأول مرة لنزع سلاحها. ووفقاً للمصادر، التي من بينها ستة قادة محليين ينتمون بحسب الوكالة إلى "كتائب حزب الله" و"حركة النجباء" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة أنصار الله الأوفياء"، تأتي خطوة الفصائل العراقية لتهدئة التوتر في أعقاب تحذيرات متكررة وجهها مسؤولون أميركيون بشكل غير رسمي للحكومة العراقية منذ تولي ترامب السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. وأضافت المصادر أن المسؤولين أبلغوا بغداد بأنه ما لم تتخذ إجراءات لحل الفصائل العراقية النشطة على أراضيها، فإن واشنطن قد تستهدفها بغارات جوية.
أكد القادة، بحسب "رويترز"، أن الحرس الثوري الإيراني، منحهم موافقته على اتخاذ أي قرارات يرونها ضرورية لتجنب الانجرار إلى صراع قد يكون مدمراً مع أميركا وإسرائيل
وقال عزت الشابندر، المقرب من "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق، للوكالة إن المناقشات بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وعدد من قادة الفصائل العراقية المسلحة وصلت إلى مرحلة "متقدمة للغاية"، مشيراً إلى أن الجماعات تميل للامتثال لدعوات الولايات المتحدة لنزع سلاحها. وأضاف: "الفصائل لا تتصرف بعناد أو تصر على الاستمرار بصيغتها الحالية"، مضيفاً أن الفصائل العراقية "تدرك تماماً" أنها قد تكون هدفاً للولايات المتحدة. وقال قيادي في "كتائب حزب الله" للوكالة: "ترامب مستعد لتصعيد الحرب معنا إلى مستويات أسوأ، نحن نعلم ذلك، ونريد تجنب مثل هذا السيناريو السيئ". وأكد القادة، بحسب "رويترز"، أن الحرس الثوري الإيراني، منحهم موافقته على اتخاذ أي قرارات يرونها ضرورية لتجنب الانجرار إلى صراع قد يكون مدمراً مع أميركا وإسرائيل.
وأعلن مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية فرهاد علاء الدين لـ"رويترز"، رداً على استفسارات حول محادثات نزع السلاح، أن رئيس الوزراء ملتزم بضمان أن تكون جميع الأسلحة في العراق تحت سيطرة الدولة من خلال "حوار بناء مع مختلف الجهات الفاعلة الوطنية". ولفت مسؤولان أمنيان عراقيان إلى أن السوداني يضغط من أجل نزع سلاح جميع فصائل تحالف "المقاومة الإسلامية في العراق"، والتي تعلن الولاء للحرس الثوري الإيراني وليس لبغداد. وأشار مسؤولون إلى أن بعض الفصائل العراقية أخلت بالفعل مقراتها الرئيسية إلى حد كبير وقلصت وجودها في المدن الكبرى، بما في ذلك الموصل (شمال) ومحافظة الأنبار (غرب)، منذ منتصف يناير الماضي خشية التعرض لغارات جوية. وأضافوا أن العديد من القادة عززوا أيضاً إجراءاتهم الأمنية خلال تلك الفترة، بما في ذلك تغيير هواتفهم المحمولة ومركباتهم ومساكنهم بشكل متكرر.
وأكدت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أنها تواصل حث بغداد على كبح جماح الفصائل المسلحة. وأضافت: "يجب على هذه القوات أن تستجيب للقائد العام للقوات المسلحة العراقية، لا لإيران". وأشار مسؤول أميركي لوكالة رويترز إلى وجود حالات سابقة أوقفت فيها الفصائل المسلحة هجماتها بسبب الضغط الأميركي.
في هذه الأثناء، يستمر الجدل في العراق بشأن مشروع قانون "تحرير العراق من إيران". وهذا أول حراك فعلي في واشنطن، يستهدف النظام السياسي العراقي بعد العام 2003، والذي أسست نواته الولايات المتحدة بعد غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين. غير أن جميع الشرائح السياسية في العراق المناهضة للنفوذ الإيراني ترفض مشروع قانون "تحرير العراق من إيران" بوصفه طريقة لمعالجة مشكلة هيمنة دولة أجنبية بتمكين دولة أجنبية أخرى من التدخل بشؤون البلد، وتدفع باتجاه إجراء إصلاحات سياسية وأخرى تتعلق بمستقبل الفصائل المسلحة الموالية لإيران وفك الارتباط بين بغداد وطهران من النواحي الاقتصادية، وتحديداً ما يتعلق بملفات الطاقة.
وجاءت في نص مشروع قانون "تحرير العراق من إيران" الذي نشره جو ويلسون، المعروف بأنه حازم مع الأحزاب العراقية والفصائل المسلحة القريبة من إيران، مقترحات وبنود تلزم وزارتي الخارجية والخزانة الأميركية وضع استراتيجية شاملة لمدة 180 يوماً لتقليص نفوذ إيران في العراق. وتضمن بنوداً عن حل الفصائل وهيئة الحشد الشعبي، وتصنيفها على أنها "منظمات إرهابية"، فضلاً عن محاكمة شخصيات عراقية سياسية كبيرة، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
محمد عنوز: الولايات المتحدة لن تلجأ إلى تحرير العراق عبر القوة مثلما حدث في 2003
وركز مشروع قانون "تحرير العراق من إيران"، الذي نشره ويلسون في 3 الشهر الحالي، على "قوات أبو الفضل العباس، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء، وجند الإمام، وفيلق بدر، وقوات الإمام علي، وسرايا الخراساني، والجهاد، والمقاومة الإسلامية في العراق، وكتائب سيد الشهداء، فضلاً عن 12 شخصية سياسية عراقية، ناهيك عن وقف المساعدات الأمنية الأميركية إلى العراق إلى حين إقصاء الفصائل والمقربين من إيران من مؤسسات الدولة". ورغم عدم تعليق زعماء الأحزاب البارزين على الحراك الأميركي الجديد، إلا أن تعليقات كثيرة صدرت من نواب تابعين للأحزاب وسياسيين مقربين من أبرز قادة العملية السياسية في البلاد.
وفي أول رد فعل على التطور، قال مختار الموسوي النائب وعضو تحالف "الإطار التنسيقي" الجامع للأحزاب والفصائل القريبة من إيران، إن "العراق بلد ذو سيادة كاملة ولا يحتاج إلى أي وصايا وقرارات أميركية أو دولية". وبيّن، في تصريحٍ للصحافيين في بغداد أخيراً، أن "الدعوات الأميركية لتحرير العراق وغيرها من الشعارات وسيلة ضغط وتهديد تجاه العراق من أجل تمرير مشاريع أميركية وإسرائيلية في المنطقة". وشدد على أن العراق "سيواجه أي تدخل أميركي بهذا الاتجاه ويرفض أي محاولات ضغط، وسيعمل على إنهاء الوجود الأميركي العسكري في العراق، الذي يعتبر احتلالاً ويجب إنهاؤه".
من جهته، قال النائب المستقل في البرلمان، محمد عنوز، وهو محسوب على التيار المدني في العراق، إن "الحديث عن مشروع قانون تحرير العراق من إيران له امتدادات مأساوية في أذهان العراقيين، من ناحية القتل والدماء التي سالت من العراقيين في الشوارع بسبب الاحتلال الأميركي، وما تبعه من أحداث أمنية وسياسية"، مشيراً إلى أن "العراق قد يواجه تحديات مستقبلية، لكن الولايات المتحدة لن تلجأ إلى تحرير العراق عبر القوة مثلما حدث في العام 2003".
مهند سلوم: المليشيات العراقية أضعف من أن تدخل بمواجهة مع أميركا
وأضاف عنوز، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الوقت لا يزال متوفراً لدى صناع القرار العراقي وزعماء الأحزاب في البلاد من أجل إجراء إصلاحات وإنهاء أي شكل من أشكال التبعية للخارج، وتجنيب العراق أي ضربات أو مخاطر قد تؤدي إلى مشكلات أمنية واقتصادية يقع ضحيتها المواطن العراقي". وتابع أن "السلاح لا بد أن يبقى بيد الدولة العراقية فقط، وعلى الدولة أن تمنع استخدامه خارج القانون، لأننا في مرحلة تبدو حرجة، وتحديداً في ظل إدارة دونالد ترامب الذي يريد أن يُنهي مخططاته التي لم يسعفه الوقت لإنهائها في فترة ولايته الأولى".
من جهته، أشار سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، إلى أن "العراقيين لا يقبلون بأي تهديدات أمنية خارجية، ولن يسمحوا بها، ومن غير المنطقي استخدام القوة مع العراقيين كما حدث في 2003". وقال إن "الأميركيين لديهم خطط من أجل عزل إيران، ويريدون تطبيق ذلك، ليس فقط مع العراق، بل مع كل الدول الصديقة أو الحليفة لإيران، وبالتالي فإن الحديث عن قانون "تحرير العراق من إيران" يحتوي على مبالغة"، موضحاً، لـ"العربي الجديد"، أن "المنطقة لا تحتمل مزيداً من الحروب".
أما أستاذ الدراسات الأمنية في معهد الدوحة للدراسات العليا مهند سلوم، فقد رأى أنه "لا يمكن للولايات المتحدة حل الحشد الشعبي أو سحب سلاح الفصائل، لأنها غير موجودة بشكل كافٍ في العراق لتحقيق هذا الهدف. لكن موضوع وقف التمويل وارد جداً، وهدف القرار هو الضغط على الحكومة العراقية لحل مليشيات الحشد والفصائل المنضوية تحت مظلته". وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة حالياً تتدخل بشكل مباشر في موضوع سحب سلاح المليشيات، وأن الأخيرة خياراتها محدودة، كما أن استهداف واشنطن (القوات الأميركية) يعني انتحاراً، خصوصاً أن إدارة ترامب مستعدة لاستخدام قوة مفرطة لضرب كل من يهدد قواتها ومصالحها". ولفت إلى أن "المليشيات تعي هذا الخطر وخطابها المعتدل واضح جداً. ولا أرجح نشوب حرب مع المليشيات العراقية التي هي أضعف من أن تدخل في مواجهة مع أميركا". واعتبر أنه "لا يمكن الانفكاك عن إيران، فهي دولة جارة تربطنا بها علاقات تاريخية واجتماعية ودينية".