مقتدى الصدر يستعد للعودة إلى العمل السياسي
تُفسر مواقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الدينية الأخيرة بأنها جزء من عملية تهيئة قواعده للانتخابات المقبلة المقررة في نهاية العام المقبل، حيث تظهر حالة الاستنهاض واضحة لدى الصدر تجاه جمهوره الأكبر من بين جماهير الأحزاب الشيعية. فقد اتجه مقتدى الصدر أخيراً إلى إعادة تفعيل خطب الجمعة، وطرح قانون عطلة عيد الغدير، الذي سارع مجلس النواب إلى إقراره، رغم أن مشروع القانون لم يكن على جدول أعمال المجلس أو ضمن خططه، ثم تنظيم حملات دعوية مختلفة بالمحافظات إلى جانب بيانات ومواقف دينية مختلفة.
وكان الصدر قد انسحب في 15 يونيو/ حزيران 2022 من العملية السياسية في البلاد، مؤكداً عدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة "الفاسدين". وجاء إعلان الصدر خلال اجتماعه في النجف وقتها بنواب الكتلة الصدرية (الفائزة بالانتخابات) الذين قدّموا استقالاتهم من البرلمان بعد ثمانية أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2021. عقب ذلك، تمكن تحالف "الإطار التنسيقي" من تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، بالاتفاق مع الأحزاب الكردية والسنية.
وفي مارس/ آذار الماضي، عادت الكتلة المستقيلة من البرلمان العراقي التابعة للتيار الصدري، وعددها 73 عضواً، إلى الاجتماعات وممارسة نشاطاتها في التواصل مع جماهيرها الشعبية بعد نحو عام ونصف العام من الاستقالة الجماعية احتجاجاً على منعها من تشكيل حكومة "الأغلبية النيابية". وباشرت مكاتب هؤلاء النواب بإجراء اللقاءات في مناطق وجودهم ووجود قواعدهم الجماهيرية، بالإضافة إلى الظهور المتكرر للصدر، والحديث عن ملفات ومواضيع مرتبطة بالعراق والمنطقة، وتحديداً الحرب على قطاع غزة. يُفهم من ذلك، وفقاً لمراقبين، أن مقتدى الصدر بدأ فعلاً الإعداد لمواجهة المعسكر السياسي الشيعي المناوئ له مبكراً، خصوصاً في مناطق جنوبي العراق.
وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر لم يعلن عودته إلى العمل السياسي بصيغة رسمية، كما أن أغلبية قادة التيار الصدري والنشطاء القريبين من التيار لا يعرفون توقيت الإعلان عن العودة بشكلٍ دقيق، لكنهم يستعدون للمرحلة المقبلة، فقد قلَّ ظهورهم الإعلامي، وخفّت المواجهة الإعلامية والتصادم الذي كان معتاداً مع منافسيهم في الأحزاب الأخرى، لكن الصدر أفصح عن هذا التوجه من خلال جملة من الإجراءات والقرارات، لعل أبرزها تشكيل خمس لجان مركزية، بينها لجنة الكتلة الصدرية المستقيلة من البرلمان برئاسة حسن العذاري.
علاء الخطيب: أتوقع ألا يتحالف الصدر مع أي جهة سياسية
وسبق أن ذكر المكتب الخاص للصدر، في بيان، أنه "بناء على ما جاء في توجيهات مقتدى الصدر، تقرّر تشكيل لجان مركزية مكونة من مفاصل عدة". كما أوكل الصدر مهند الموسوي بالإشراف على لجنة "الجمعة والجماعة" ورئاستها، ويكون الديوان العشائري برئاسة عبد الرضا الخزاعي، وتكون اللجنة الثالثة التي تتولى جوانب اجتماعية وتُعرف باسم "البنيان المرصوص" برئاسة محمد العبودي، فيما يتولى لجنة الكتلة الصدرية المستقيلة حسن العذاري، في حين تكون اللجنة الخامسة لمستشاري مقتدى الصدر في الحنانة برئاسة كاظم العيساوي، وفق البيان.
كل هذه المعطيات لا تدل إلا على عودة قوية للعمل السياسي والاشتراك في الانتخابات، بعنوان "التيار الوطني الشيعي"، فهو يسعى إلى كسب جماهير إضافية، وهو تحدٍ صعب بالنسبة للصدريين، جرّاء تذبذب القيادة الصدرية في مواقفها إزاء اللحظات الحاسمة، من بينها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بالإضافة إلى الاشتباك المسلح عند مدخل المنطقة الخضراء، وسط بغداد، مع قوات من الحشد الشعبي، في أغسطس/ آب 2022، والذي راح ضحيته نحو 70 مسلحاً من طرفي الاشتباك.
وتواصلت "العربي الجديد" مع أعضاء بارزين في التيار الصدري، وجميعهم أكدوا أن "عودة مقتدى الصدر للعمل السياسي واضحة لدينا، لكن لم يُعلن عنها رسمياً، والعمل يجري حالياً من قبل المكاتب السياسية على كسب أكبر قدر ممكن من الجمهور الصامت، وهو الجمهور الأكبر في العراق، الذي يمثل حالة القطيعة الشعبية مع النظام السياسي الحالي، جرّاء اليأس". وبيّن أحد المصادر أن "التيار الصدري يجد صعوبة في التعامل مع غير الصدريين، ربما لأن أدوات وآليات الإقناع محدودة لدينا أو لأن العراقيين من الأغلبية الصامتة لم تعد تثق بأحد".
أيهم رشاد: مقتدى الصدر يسعى إلى شحذ همم الفقراء والمحرومين عبر الاستدراج الديني والمذهبي
وأكمل عضو التيار الصدري أن "الجمهور الشيعي هو الأكثر يأساً من بين جماهير المكونات العراقية، من جرّاء القهر في مناطقهم وسوء الخدمات، ناهيك عن تفشي وانتشار السلاح والفصائل المسلحة، بالتالي فإن عملنا محدود، وقد لا نتقدم من ناحية كسب جماهير جديدة". وأضاف: "لذلك نجد من المهم أن نبقى على تواصل مع جماهيرنا الأصلية وعدم فقدانها، خصوصاً أن حملات كسبهم من قبل أحزاب أخرى عبر وسائل الترغيب واستخدام المال السياسي جارية ولم تتوقف منذ أعوام".
من جهته، أشار الناشط السياسي العراقي أيهم رشاد إلى أن "مقتدى الصدر ربما شعر بعد قرار استقالة نوابه من البرلمان، ثم الهجوم المسلح على المنطقة الخضراء، وتشكيل الحكومة عبر منافسه الأقوى "تحالف الإطار التنسيقي"، أن خياراته كانت عاطفية ومستعجلة، لذلك فهو يسعى حالياً إلى لملمة أموره الداخلية، كما أنه نجح جزئياً في سحب قادة من الفصائل المسلحة، وتحديداً فصيل عصائب أهل الحق، وهناك انسحابات معلنة وصريحة لهم وعودتهم إلى التيار الصدري". وأكد رشاد لـ"العربي الجديد"، أن مقتدى الصدر يسعى إلى شحذ همم الفقراء والمحرومين عبر الاستدراج الديني والمذهبي، لكن العمل السياسي يحتاج إلى منهاج عمل خدمي وحكومي، وهو ما لم يصدر عن الصدر مطلقاً".
أما الباحث والمحلل السياسي العراقي علاء الخطيب، فقد أشار إلى أن "تحركات الصدر تدل على عودة ليست قريبة، بل إنها ستكون قبيل الانتخابات المقبلة التي من المفترض أن تجرى في نهاية العام المقبل، تحت عنوان شيعي واضح، قد اختاره بنفسه، وتروّج له الماكينات الإعلامية الخاصة بالتيار". وتوقع الخطيب في اتصال مع "العربي الجديد"، ألا يتحالف الصدر مع أي جهة سياسية، لأن "الصدر جرّب التحالفات، ويعتبرها غير ناجحة، لذلك فهو يعول كثيراً على جمهوره وما يتم كسبه من جماهير جديدة".