مسعود بارزاني في بغداد... رسالة "الفرصة الأخيرة"

العربي الجديد

مسعود بارزاني في بغداد... رسالة "الفرصة الأخيرة"

  • منذ 4 شهر
  • العراق في العالم
حجم الخط:

الذين يعرفون زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن قرب يصفونه بأنه "رجل المناورات والتسويات والملفات غير المحسومة"، وهو، رغم ركونه إلى الظل طوال السنوات الست الأخيرة التي أعقبت فشل مشروعه الرامي إلى انفصال كردستان عن العراق، ظل فاعلا ونشيطا في رسم السياسات العليا للإقليم، وإنْ من وراء ستار. وهو إذ يزور بغداد في زيارة "تاريخية ومهمّة"، أكّدتها الحفاوة "الاستثنائية" التي حظي بها من قادة الكتل والأحزاب، وحتى من زعماء المليشيات الذين يجاهرون بالعداء له، فانه جاء، هذه المرّة، لا ليناقش ويبحث ويتبادل الرأي فقط في المسائل التي ظلت موضع خلاف واختلاف بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، وإنما ليحمل "خريطة طريق" للمرحلة المقبلة، مدعوما برعاية أميركية تمنحه ثقلا سياسيا كبيرا، وتجعل منه اللاعب رقم واحد في "العملية السياسية" التي هندسها الأميركيون، وليقطع الطريق على الآخرين الذين يضعون رِجلاً في واشنطن وأخرى في طهران، وكان حضوره اللافت في اجتماع داخلي لـ"الإطار التنسيقي"، وتصدّيه لجمع زعامات المكوّن السني لبحث مشكلة انتخاب رئيس جديد للبرلمان، وكذلك استقباله السفراء العرب المعتمدين في بغداد، وسفيري إيران وتركيا، ثم السفيرة الأميركية، لهذا كله دلالاته الواضحة، ويشكّل رسائل عديدة للمعنيين، أهمها التحذير من أن أمورا سوف تحدُث، وإن على اللاعبين الآخرين الالتزام بما فرضته الولايات المتحدة عند خط الشروع الأول من قواعد، وخطوط حمر، وأمامهم فرصة أخيرة، وإلا..!

والظاهر أن معظم هؤلاء فهموا الرسالة، ووعدوا بالالتزام بها، وسلك بعضهم مسلك "التقية" في انتظار فرصة مناسبة للتراجع، كما حدث مرّات، باستثناء مليشيا كتائب حزب الله العراقي التي قال قائدها أبو علي العسكري إن زيارة بارزاني "تنذر بالشر، وتترجم الدور الأميركي في المشهد السياسي"، بما يعنيه ذلك من أن هذا الفصيل، وفصائل أخرى متحالفة معه، لن تكفّ عن التصدّي للمصالح الأميركية في العراق والمنطقة، ومواصلة الانخراط في السياسات الإيرانية التي تريد أن ترهن المنطقة لصالح مخطّطاتها.

الطرف الوحيد الذي فهم الرسالة جيدا، واعتبرها بشيراً بولاية جديدة له، هو رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، الذي يتوقع كثيرون أن يحوز مقاعد برلمانية في الانتخابات المقبلة ترشّحه للبقاء على رأس السلطة أربع سنوات أخرى، بعدما تحوّل الى رقم صعب، بفعل حصوله على دعم دولي وعربي، وكذلك على قدر من الشعبية لم يتحقّق لأيّ رئيس حكومة آخر منذ 20 عاماً. وهذا ما قد يدفع زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، صاحب فكرة "الانتخابات المبكّرة"، الى التراجع والقبول بما طرحته أطرافٌ في "الإطار التنسيقي" بتأجيل الانتخابات إلى زمن أبعد يسمح بترتيب الأوراق من جديد. وبعدما وصلت إليه "توصية مُلزمة" من طهران، كشف عنها سفير الأخيرة في بغداد محمد كاظم آل صادق، في تصريح لافت، بأن حكومته لا تؤيد إجراء انتخابات مبكّرة في العراق، ما عُدّ تدخّلاً إيرانياً صريحاً في الشؤون العراقية.

تداعيات خطيرةً وغير محسوبة ربما تضع العراق، من جديد، في دائرة النار

قد تفرز هذه الوقائع وغيرها، في الفترة المقبلة، تداعياتٍ خطيرةً وغير محسوبة ربما تضع العراق، من جديد، في دائرة النار، وهذا ما جعل كل اللاعبين في حال ترقّب وانتظار مشوب بالحذر، وخصوصاً أن الموضوع كله مرتبطٌ بكلمة من واشنطن التي يناقش برلمانها، هذه الأيام، مشروع قانون قدّمه نائب جمهوري، من شأنه معاقبة مسؤولين عراقيين بتهمة "الولاء" وخدمة المصالح الإيرانية. وفي حال أقرّه الرئيس بايدن، فهذا يعني أن الولايات المتحدة جادّة فعلا في إحكام الطوق حول الرؤوس الكبيرة التي تحكم العراق، وبلورة وضع مختلف، واستيلاد زعاماتٍ جديدةٍ تُكمل ما تريده، ولانتهاء مدّة صلاحية الرؤوس المستهدفة بحكم انغماسها في الفساد، وخسارتها ثقة المواطن العراقي.

وقد أوكلت هذه المهمّات الى السفيرة الجديدة تريسي جاكوبسون، التي أعطيت صلاحيات مفتوحة تجعل منها "مندوباً سامياً مفوّضاً"، لها أن تقرّر وتنفذ من دون الرجوع إلى واشنطن. وزاد هذا من صداع رؤوس اللاعبين المهيمنين على المشهد، وقد وجدوا أنفسهم مضطرّين لاصطناع الهدوء، والتظاهر بإعادة النظر في برامجهم، وطرح الحلول للمشكلات التي يعاني منها مواطنوهم، والتي منحوا فرصاً ذهبية عريضة لحلها على امتداد 20 عاماً، ولكنهم تجاهلوها.

ولعل الرسالة التي نقلها بارزاني في زيارته لبغداد تمثل الفرصة الأخيرة التي سيكون ما بعدها لا يشبه ما قبلها.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>