منارة الحدباء... معجزة عمران ورمز شموخ الموصل

العربي الجديد

منارة الحدباء... معجزة عمران ورمز شموخ الموصل

  • منذ 2 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:

بعد سنوات من الانتظار والعمل الدؤوب استعادت مدينة الموصل أحد أهم رموزها الحضارية والتاريخية، منارة الحدباء التي عادت شامخة من جديد بعدما دمرها تنظيم "داعش" عام 2017. وتُعدُّ منارة الحدباء التي أخذت تسميتها من انحنائها وميلانها من أبرز معالم الموصل التاريخية.
بُنيت المنارة في القرن السادس الهجري خلال عهد نور الدين زنكي بوصفها جزءاً من الجامع النوري الذي شكّل مركزاً دينياً وعلمياً مهماً في المدينة.
عام 2017، دُمرّت المنارة والجامع خلال معركة تحرير الموصل من تنظيم "داعش"، ما خلّف حزناً عميقاً ليس فقط على الصعيد المحلي لدى سكان الموصل والعراق، بل عالمياً بسبب فقدان الإنسانية إرثاً ثقافياً.
يقول صلاح الوراق، مؤسس مشروع رصيف الكتب، وأحد الناشطين في المجال الثقافي بالموصل، لـ"العربي الجديد": "عودة مئذنة الحدباء له أثر ودور ومكانة كبيرة، وسيكون له وقع عظيم في مقاييس الموصل وواقعها بعد افتتاح الجامع النوري".
وقد اشتهرت منارة الحدباء باسم "مئذنة الحدباء"، لكن الوراق المهتم بتراث مدينته يقول إن "تسمية منارة أدق من مئذنة، لأنها منار للمدينة وزوارها ودلالة ورمز أكثر من كونها مئذنة". يضيف: "ستكون المئذنة قبلة للسياح والباحثين وعودة لإحدى عجائب العمران ورمزاً موصلياً ينتمي إليه جميع أهل نينوى. الحدباء من أسماء الموصل وأركان تاريخها الحافل بالأمجاد والثقافة والتميز".
وفي شأن هندسة منارة الحدباء يقول الوراق: "ثبات المنارة عبر 1000 عام من الميلان إلا قليلاً معجزة عمران وبنيان شموخ حرف الراء وصلابة السيف البتار رغم ميلانه. وحرف الراء وإمالته من خصائص وميزات لهجة الموصل مع قاف الفصاحة وعمق تمدن أهلها".
ويتميز أبناء الموصل بلهجتهم بين العراقيين، وفيها "لثغة" حيث يبدلون الراء غيناً، ويلفظون حرف القاف بدلاً من الكاف العجمية التي يلفظها العراقيون في بعض الكلمات.

ويوضح الوراق أن إعمار المنارة جرى بمشاركة وزارة الثقافة العراقية وديوان الوقف السني. ويُشيد بالدور الخلاق والسعي التاريخي في مجال العمران ودقة البناء، لكنه يستدرك بأن "البناء لن يكون كما كان، ولن يستطيع أحد تحقيق الميلان المدهش. وتبقى الحدباء عنقاء ذات فكرة روحية خالدة في حياة وفكر أصلاء الموصلية، وستنهض دائماً شامخة بارقة كأنها رمح يعتلي قلب السماء".
وكان الميلان السابق للمنارة يبلغ 2.56 متر. وتفيد تقارير محلية بأن الميلان السابق كان غير مسيطر عليه بخلاف الميلان بعد إعادة إعمارها الذي يبلغ 1.60 متر، هو مسيطر عليه بفضل التطور الكبير في المجال الهندسي والعمراني.
يضيف حول إعادة بناء المنارة: "شملت العملية ترميم الأنقاض، واستخدام مواد مشابهة للأصلية، والحفاظ على الطابع المعماري المميز الذي عُرفت به المنارة منذ إنشائها في القرن الثاني عشر الميلادي".
مشهد المنارة وهي شاهقة بعد إكمال بنائها، ألهبت حماس أبناء الموصل ومشاعرهم، فهي تعدّ الرمز الأول للمدينة الذي يتغنى به جميع العراقيين أيضاً، وتحمل ذكريات الموصل وسكانها.

وفي لحظة مؤثرة وقفت الحاجة أم فاروق أمام منارة الحدباء بعدما بلغ الإعمار مرحلته النهائية، وبكت بفرح وهي تستعيد ذكريات طفولتها وشبابها التي عاشتها في محلة الجامع الكبير قبل خمسين عاماً. وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أصدق عيني عندما رأيت المنارة شامخة من جديد تماماً كما كانت حين كنت طفلة ألعب في أزقة هذه المنطقة".
تضيف أم فاروق، وهي تتذكر كيف كانت تصحبها والدتها إلى الجامع النوري، حيث كانت تسمع الأذان يتردد من المنارة المائلة، التي كانت فريدة من نوعها في العالم: "كانت الحدباء بالنسبة لنا أكثر من مجرد منارة، كانت روح الحي ورمز مدينتنا. بكيت كثيراً عندما سمعت صوت الأذان يصدح مرة أخرى من المنارة، لكنها هذه المرة دموع فرح وليست دموع حزن عندما رأيتها مدمّرة".
دمار المنارة عام 2017 أثناء المعارك ضد تنظيم "داعش" كان بمثابة كابوس لأهالي الموصل، لكن اليوم، بفضل الجهود المحلية والدولية بقيادة منظمة "يونسكو"، تعود المنارة لتتوسط المدينة القديمة باعتبارها المعلم الحضاري والتاريخي الموصلي الذي لا ينسى.
تقول ناديا خوشابا بابتسامة مختلطة بالدموع لـ"العربي الجديد": "عادت ذاكرتنا وتراثنا. أشعر أن الموصل تتنفس من جديد. هذه اللحظة أعادت الأمل ليس فقط لأهل المدينة القديمة فقط، بل لجميع سكان الموصل الذين تحملوا سنوات من الألم والدمار".

تضيف ناديا التي تسكن في سهل نينوى الذي يبعد نحو 30 كيلومتراً من وسط المدينة حيث منارة الحدباء، وتنتمي إلى الديانة المسيحية، لـ"العربي الجديد": "تمثل المنارة جميع سكان الموصل، ورؤيتها بشكلها الجديد القديم يمنحني أملاً بمستقبل أكثر إشراقاً لمدينة الموصل التي بدأت تتعافى خطوة خطوة من جروح الماضي".
ولم يكن سكان الموصل وحدهم من عبروا عن سعادتهم لعودة منارة الحدباء شامخة مرة أخرى، إذ شملت جميع العراقيين كونها رمزاً وطنياً تاريخياً.
ويستعيد عازف العود مؤيد الكرخي ذكريات أيام شبابه في ثمانينيات القرن الماضي حين كان يشارك في إحياء حفلات وأمسيات رفقة أصدقائه في محافظات مختلفة. وهو يتغنى في حديثه لـ"العربي الجديد" بمنارة الموصل وكيف أثّرت فيه، ويقول: "كانت الموصل تأسرني بروحها، وكان أكثر موقع مؤثر فيها المنارة الحدباء التي كانت بميلانها الفريد نغمة شاردة في لحن، وتحمل جمالاً لا يُنسى".
يتغنى الكرخي بتاريخ المنارة التي يصفها بأنها "تجسّد روح العمارة الإسلامية العربية بطابعها الفريد الذي يعكس مزيجاً من البساطة والجلال".



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>