عواصف الغبار الشتوية... مخاطر صحية وبيئية في العراق
تكررت العواصف الترابية خلال فصل الشتاء في العراق، ويتوقع مختصون زيادة معدلاتها بعد أن كانت في السابق تقتصر على فصل الصيف، ما يشكل تهديداً إضافياً للصحة العامة والبيئة والبنية التحتية
يندر أن تشهد أجواء العراق صفاءً بنسبة عالية على مدار العام. فبعيداً عن التلوث بمخلفات الوقود ومختلف الأبخرة الناتجة من المعامل والمصانع ومحارق النفايات، دائماً ما تسجل سماء البلاد معدلات كبيرة من ذرات الغبار العالق، التي تزيد أحياناً لتشكل عائقاً صحياً وبيئياً، واقتصادياً أيضاً.
وضربت عاصفة غبار عنيفة أجواء العراق يوم 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ما تسبب في تسجيل 2600 حالة اختناق في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، وأكد المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، في تصريحات صحافية، أن الكوادر الصحية عملت وفق طاقتها القصوى لاستقبال المصابين وعلاجهم، وتنوعت الحالات بين اختناقات بسيطة وأخرى شديدة احتاجت إلى رعاية طبية مكثفة.
ويتزامن ذلك مع تحذيرات أطلقها برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، الذي أشار إلى أن العراق قد يشهد 300 عاصفة ترابية سنوياً بحلول عام 2026، ما يضع البلاد أمام تحديات خطيرة تتطلب حلولاً عاجلة لتفادي التأثيرات في صحة السكان، وفي الاقتصاد والبنية التحتية.
ويتوقع الخبير البيئي، حسين النداوي، استمرار العواصف الترابية خلال فصل الشتاء نتيجة التغيرات المناخية والتصحر المتزايد في البلاد. ويقول لـ"العربي الجديد": "ستشهد البلاد خلال السنوات القادمة عدداً أكبر من العواصف الترابية، وقد تكون حدتها غير مسبوقة بسبب التغيرات المناخية الكبيرة والتصحر المتسارع".
ويرى النداوي أن "الحل يكمن في تبني استراتيجيات للحد من هذه الظاهرة، إذ يواجه العراق تحديات كبيرة تتطلب تضافر الجهود بين الجهات الحكومية والمنظمات الدولية والمجتمع المحلي للحد من آثارها، وتحقيق استدامة بيئية وصحية. مبادرات التشجير تواجه تحديات كبيرة، رغم أهميتها، أبرزها نقص الموارد المائية اللازمة للري، إضافة إلى إهمال رعاية الأشجار المزروعة، فضلاً عن كون التوسع العمراني يؤدي إلى إزالة المساحات الخضراء".
بدوره، يؤكد الباحث البيئي، أسعد كاظم، لـ"العربي الجديد" أن "العراق يعاني من ارتفاع ملحوظ في وتيرة العواصف الترابية، التي لم تعد تقتصر على فصل الصيف، بل أصبحت تمتد إلى فصل الشتاء. تغير أنماط المناخ وزيادة جفاف التربة يجعلان هذه العواصف الترابية أكثر شدة وتكراراً. الجهات الحكومية وغير الحكومية اتخذت مبادرات هامة، مثل التشجير وزيادة المساحات الخضراء لمكافحة التصحر، إضافة إلى دعم مشاريع الري المستدامة، لكن حصد النتائج بحاجة إلى وقت أطول".
وشهد العراق خلال السنوات الخمس الماضية، جهوداً متزايدة ضمن حملات التشجير، في إطار السعي لمواجهة التصحر المتزايد وتحسين الوضع البيئي. وشاركت في هذه الحملات جهات حكومية مع منظمات المجتمع المدني، وشملت زراعة ملايين الأشجار والنباتات المحلية في مختلف المحافظات.
ويؤكد حسين النداوي أن العواصف الترابية تؤدي إلى انجراف التربة السطحية الخصبة، ما يقلل من قدرة الأراضي الزراعية على الإنتاج، كذلك أن فقدان الطبقات العلوية للتربة يعني خسارة العناصر الغذائية الضرورية للزراعة، ما يُفاقم من أزمة الأمن الغذائي".
في ذات الشأن، يقول أسعد كاظم، إن "الغبار المتطاير خلال العواصف يزيد من تلوث الهواء، ما يرفع من نسب الجسيمات الدقيقة الضارة في الجو. هذا التلوث لا يقتصر على التأثير الصحي، بل يسهم أيضاً في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ تحمل العواصف معها كميات هائلة من الكربون المخزن في التربة الصحراوية، ما يؤثر سلباً في جميع الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات".
وتتسبب العواصف الترابية المتزايدة بأضرار مادية كبيرة للعراقيين، إذ تؤثر مباشرةً في أعمالهم اليومية ومصادر رزقهم، ومع تكرارها، يضطر كثير من المواطنين إلى اتخاذ تدابير قاسية لمواجهة التداعيات.
يقول فهد حمودي، وهو بائع جوال يبيع الهدايا والإكسسوارات ومواد الزينة في بغداد، إنه يُضطر إلى البقاء في منزله في أثناء العواصف الترابية، ما يعني توقف عمله وخسارة مصدر دخله اليومي. ويضيف لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع الخروج للعمل في ظل العواصف، فالغبار يؤثر في صحتي، وفي جودة البضائع التي أبيعها. في كل مرة تحدث عاصفة، أعيش أياماً بلا دخل".
ويؤكد أحمد كريم، وهو صاحب متجر لبيع المكسرات، أن الضرر الذي تسببه العواصف على نشاطه التجاري كبير، ويقول لـ"العربي الجديد": "تتوقف حركة السوق تماماً خلال العاصفة الترابية، فالزبائن لا يخرجون من منازلهم خشية الغبار، ما يضطرني إلى إغلاق المحل لعدم وجود زبائن، فضلاً عن تجنب تراكم الغبار على البضائع".