البحوث العلمية الجاهزة تجارة رائجة تهدد الرصانة العلمية في العراق
دعا أكاديميون وأساتذة جامعيون عراقيون، إلى محاربة تجارة البحوث العلمية الجاهزة، التي راجت على نحو واسع في العراق خلال السنوات الأخيرة، مُحذرين من تأثيراتها على الرصانة العلمية في الجامعات، وسط تأكيدات أن الإجراءات الحكومية لتحجيم الظاهرة ضعيفة، ولا ترقى لمستوى مخاطرها.
ونشطت في السنوات الأخيرة، ظاهرة بيع وكتابة الرسائل والأطاريح والبحوث العلمية الجامعية في العراق، إذ تعمل مكتبات معينة في بغداد والمحافظات الأخرى بالاعتماد على متخصصين، بكتابة تلك الدراسات، مقابل مبالغ مالية، وقد اعتمد الكثير من الطلاب في المراحل الأولية والدراسات العليا على تلك المكتبات بالحصول على بحوث جاهزة.
وعلى الرغم من أن الترويج لتلك المكتبات وعملها يتم بشكل شبه معلن، إلا أن وزارة التعليم العالي والأجهزة الأمنية لم تتخذ أي إجراءات إزاء ذلك، وهو ما انعكس سلباً على الواقع التعليمي في البلاد، وزاد من انتشار الظاهرة.
وبحثت هيئة الرأي في وزارة التعليم العالي، أخيراً، ضوابط النشر العلمي، وقد تم تضمينها عقوبات شديدة تطاول الطلاب ممن يعتمدون على تلك البحوث. ووفقاً للمتحدث باسم وزارة التعليم، حيدر العبودي، فإن "هيئة الرأي في الوزارة صادقت على التعديلات المقترحة على ضوابط ترصين النشر والبحث العلميَّين، المتضمنة اتخاذ قرار بترقين قيد الطالب الذي يثبت اعتماده إلى ما يسمى مكاتب النشر العلمي لغرض كتابة الرسالة أو الأطروحة كلاً أو جزءاً". وأكد في تصريح صحافي، أن "العقوبة ستحرم الطالب حتى من العودة إلى الدراسة داخل البلاد وخارجها في أعوام لاحقة في حال ثبت عليه ذلك"، مشدداً على الطلاب بـ"ضرورة الالتزام بمعايير النشر العلمي، وعدم الانجرار وراء مكاتب النشر".
ولم تتضمن لائحة "النشر العلمي" المصادق عليها في الوزارة، أي خطوات أو توجيهات أو عقوبات تطاول المكتبات التي تبيع البحوث الجاهزة، ولا حتى الأساتذة المختصين العاملين فيها.
ووفقاً لعضو نقابة الأكاديميين العراقيين، فإن "الخطير في الملف أن تلك المكتبات تنتشر على نحو لافت، بسبب غياب الملاحقات والعقوبات القانونية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "تلك المكتبات تتفق مع أساتذة مختصين يعملون لديها بكتابة البحوث كل حسب اختصاصه، وأن هذه الجريمة العلمية لم تُلاحق من الجهات المسؤولة". وأكد "نحن مع العقوبة المشددة ضد الطلاب، لكن في الوقت ذاته يجب أن تكون هناك خطة لملاحقة المكتبات ومعاقبة أصحابها، واتخاذ إجراءات قانونية بحق الأساتذة العاملين فيها ممن يقومون بكتابة البحوث".
وتتفاوت أسعار البحوث العلمية الجاهزة بحسب المرحلة الدراسية وبحسب التخصص، وتبدأ من 100 ألف دينار عراقي تصل بعضها إلى مليون دينار (الدولار يعادل 1500 دينار عراقي)، أما كتابة الرسائل والأطاريح فتتراوح حسب التخصصات من خمسة ملايين دينار وتصل بعضها الى عشرة ملايين دينار.
الأستاذ في جامعة بغداد، مصطفى الغراوي، أكد أن تفشي ظاهرة البحوث العلمية الجاهزة أثرت كثيراً على مستوى الطلاب، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "نسباً كبيرة من الطلاب يعتمدون على تلك البحوث، على الرغم من كشف البعض منها أحياناً، إلا أن الكثير لا يكشف ويحصل الطالب على درجة جيدة مقابل البحث الجاهز للأسف".
وأكد أن "الكثير من طلاب المراحل الأولية وحتى الدراسات العليا يحصلون على شهاداتهم وهم لا يعرفون الأصول العلمية لكتابة البحوث بسبب اعتمادهم على تلك المكتبات، وهذا أمر خطير للغاية يتطلب تحركاً من وزارة التعليم والجهات المسؤولة الأخرى لمعالجة الظاهرة"، مشدداً "الطلاب والأساتذة يعرفون المكتبات التي تتعامل بتلك البحوث. نحن نحتاج فقط إلى تحرك حكومي لإغلاقها ومحاسبة أصحابها". وأشار إلى أن "الحفاظ على الرصانة العلمية هي مسؤولية مشتركة بين الجامعات والوزارة والجهات الأخرى، لذا يجب أن تكون هناك خطة تنهي عمل تلك المكتبات وتغلق هذا الملف الخطير".
وشجّع الفساد الذي تعانيه معظم مؤسسات الدولة العراقية، على انتشار تلك الظاهرة مع ظواهر سلبية كثيرة في المجتمع العراقي، وهو ما يتطلب إجراءات حازمة لتحجيمها والحد من انتشارها.