مساعٍ حكومية لعلاج غياب ثقافة التأمين في العراق

العربي الجديد

مساعٍ حكومية لعلاج غياب ثقافة التأمين في العراق

  • منذ 4 أسبوع
  • العراق في العالم
حجم الخط:

يعاني العراق من ضعفٍ كبيرٍ في ثقافة التأمين كوسيلةٍ للحماية المالية، إذ إن نسبة المواطنين الذين يعتمدون على أنواعه المختلفة، مثل التأمين الصحي أو تأمين الممتلكات، ما تزال متدنيةً جدًا مقارنة بالدول المجاورة. ويُعزى ذلك إلى عوامل متعددة، أبرزها قلة الوعي بأهمية التأمين، وعدم الثقة بشركات التأمين، وغياب الترويج الكافي لهذه الخدمة. ووفقًا لبيانات عام 2019، بلغت أقساط التأمين في العراق حوالي 287 مليار دينار عراقي، مما يشير إلى أن متوسط قيمة القسط لكل فرد عراقي يبلغ نحو 630 دينارًا شهريًا (أقل من نصف دولار) فقط.

ويرى مختصون أن مقارنة هذا الرقم بحجم الاقتصاد العراقي وعدد السكان توضح أن نسبة انتشار الخدمة بين المواطنين ما تزال منخفضةً جدًا. ويشير ذلك إلى أن ثقافة التأمين لم تترسخ بعد بشكلٍ كافٍ في المجتمع العراقي، مما يبرز الحاجة إلى تعزيز الوعي بأهميته كوسيلةٍ للحماية المالية. وأصدر البرلمان العراقي قانون تنظيم التأمين رقم 10 لسنة 2005، الذي ينص على تنظيم أعماله في العراق للمواطنين والشركات العاملة، من خلال الشركات الوطنية العامة والخاصة، وفروع الشركات الأجنبية المسجلة رسميًا في العراق.

تحركات حكومية لتعزيز ثقافة التأمين

أكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أن الحكومة العراقية تعمل بشكل جاد على تحريك وإنعاش القطاع في البلاد. وأوضح صالح، في حديث صحافي، أن تفعيل القطاع ومعالجة غياب ثقافة التأمين كوسيلةٍ للحماية المالية يتطلب النظر إلى عوامل متعددة ومتشابكة، بعضها يتعلق بحركة الاقتصاد الكلي، وأخرى تتصل بالثقافة المجتمعية، بما في ذلك إعادة النظر في التشريعات القائمة.

وشدد صالح على ضرورة توفير حوافز ضريبية للشركات والأفراد الذين يختارون التأمين، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة لتقديم منتجات تأمينية مبتكرة تلائم احتياجات السوق. كما أشار إلى أهمية تصميم منتجات تأمينية تناسب الفئات المختلفة، مثل التأمين الزراعي والتأمين ضد الكوارث، مع توعية المواطنين بالتأمين الإلزامي على حوادث السيارات، الذي لا يعرف عنه الكثيرون، على الرغم من وجود آلية معتمدة بهذا الشأن.

وأكد صالح أن "تعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات المالية غير المصرفية، ومنها قطاع التأمين، يُعد عاملًا أساسيًا في تطوير القطاع وزيادة تأثيره في الاقتصاد الوطني". وأوضح أن "تباين القوة الشرائية للعديد من شرائح المجتمع يدفعهم إلى التركيز على الاحتياجات الأساسية بدلًا من التخطيط المالي المستقبلي"، مشيرًا إلى تأثير سنوات الحروب والصراعات والتبدلات الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المجتمع العراقي. وأكد أن تراجع الثقافة "يعد السبب الرئيسي وراء عدم تطور هذا القطاع، نتيجةً لنقص المعرفة بفوائده وأهميته كوسيلةٍ للحماية المالية، حيث يعتمد المواطنون في الغالب على الأسرة أو العشيرة في مواجهة المخاطر بدلًا من اللجوء إلى حلول تأمينية ينص عليها القانون".

من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة شركة الحمراء للتأمين، ياسر رؤوف، أن القطاع يلعب دورًا حيويًا في تحقيق التنمية ودعم القطاعات الحكومية وتقليل المخاطر. وأوضح رؤوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن التأمين يُعد وسيلة فعّالة للحماية المالية للأفراد والمؤسسات، خاصة في مواجهة الأزمات غير المتوقعة مثل الحوادث، الأمراض، والكوارث الطبيعية. وأضاف أن التأمين يسهم في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال استثمار الأقساط في مشاريع تنموية وتقليل الضغط على الحكومة لتقديم التعويضات.

وأشار رؤوف إلى أن التأمين يدعم الاستثمار المحلي والأجنبي بحماية الشركات من المخاطر المالية، مثل الخسائر الناتجة عن الحرائق أو تعطل الأعمال، مما يساهم في تعزيز بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا. كما أوضح أن التأمين يعزز التنمية المستدامة من خلال حماية المشاريع الزراعية والصناعية، وخلق فرص عمل جديدة، ورفع الوعي المالي بين المواطنين، وتشجيعهم على التخطيط وإدارة المخاطر بفعالية.

أسباب غياب ثقافة التأمين

أكد الخبير الاقتصادي كريم الحلو أن الفترة الذهبية لقطاع التأمين في العراق كانت في سبعينيات القرن الماضي، لكنها انحسرت مع بداية حرب الخليج الأولى، لتتلاشى تقريبًا خلال فترة الحصار الاقتصادي منذ عام 1991. وأوضح الحلو، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ضعف الوعي المجتمعي هو السبب الرئيسي وراء غياب ثقافة التأمين، حيث يعتبره الكثيرون رفاهيةً أو أمرًا غير ضروري. وأكد أن انعدام الثقة، الناتج عن الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة وغياب الشفافية في بعض المؤسسات التأمينية، أدى إلى تردد الناس في الاشتراك في برامج التأمين. كما أشار إلى غياب الإلزام القانوني الذي يفرض على المواطنين الاشتراك في أنواع محددة منه.

وشدد الحلو على أهمية إطلاق الحكومة حملات توعية بالتعاون مع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لتثقيف الناس حول فوائد التأمين. كما أكد ضرورة تشريع قوانين جديدة تلزم المواطنين والشركات بالاشتراك في أنواع معينة منه، مثل التأمين الصحي الإلزامي. وأوضح أن الحكومة يجب أن تقدم تسهيلات لشركات التأمين، مثل الإعفاءات الضريبية وتقليص الإجراءات البيروقراطية، وتشجيع التحول الرقمي لتسهيل العمليات وتعزيز الثقة لدى المواطنين.

وختم الحلو حديثه بالإشارة إلى أنه إذا نجحت الحكومة في تعزيز ثقافة التأمين، فإن ذلك سيحقق استقرارًا ماليًا للأسر العراقية، خاصة في مواجهة الأزمات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية، وسيسهم في تقليل العبء المالي على الدولة، من خلال توفير مظلة حماية مالية تديرها شركات التأمين بدلًا من الاعتماد على المساعدات المباشرة.



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>