لجنة "محاربة قوى الظلام" تثير جدالاً في النجف وتواجه جماعة القربان
أثار قرار الحكومة المحلية في محافظة النجف جنوبي العراق القاضي بتشكيل لجنة مختصّة لـ"محاربة قوى الظلام"، جدالاً، ولا سيّما أنّه لم يسمّ الجهات أو الجماعات التي ستستهدفها هذه اللجنة وطبيعة موافقة ذلك للقانون وتعارضه مع صلاحيات الأجهزة الأمنية. ووفقاً لقرار أصدرته حكومة النجف ونشرته وسائل إعلام عراقية محلية، فإنّ اللجنة ستعمل من أجل "إيجاد حلول لمواجهة الغزو الفكري والثقافي الذي يستهدف الشباب". وبحسب الوثيقة الخاصة بذلك، ستعمل اللجنة من أجل حماية عقول الطلاب من "محاولات أدلجة الفكر وتحجيم تأثير الحركات المنحرفة وقوى الظلام، بهدف الحفاظ على النسيج المجتمعي وسلامة أفكار الأجيال المقبلة". وتتألّف اللجنة من مسؤولين وأفراد في أجهزة أمنية ودوائر حكومية، إلى جانب جامعة الكوفة.
وتفيد المعلومات المتوافرة بأنّ اللجنة تستهدف جماعة القربان بالدرجة الأولى، وهي حركة فكرية تنتشر في مدن جنوبي العراق تشجّع على إيذاء النفس، ولا سيّما من خلال الانتحار، من ضمن مفهوم ما يسمّى تسريع ظهور علامات قيام الساعة ونهاية العالم. وقد اعتقلت قوات الأمن العراقية، في العام الماضي، عشرات من أتباع جماعة القربان، فيما سجّلت عمليات انتحار عديدة بين الأتباع، عدد منهم نفّذها جماعياً.
وعلّق مواطنون عراقيون وناشطون على قرار تشكيل لجنة محاربة قوى الظلام بسخرية، مشيرين إلى أنّهم لا يعرفون معنى "قوى الظلام"، ورأوا أنّها عبارة قابلة للتأويل ويمكن تفسيرها بأكثر من طريقة وقد تخدم جهات سياسية دينية على حساب الحريات الشخصية والعامة في المدينة (النجف) التي تُعَدّ من المدن الدينية في البلاد. وقد تابع "العربي الجديد"، في هذا الإطار، ردود فعل العراقيين إزاء اللجنة وأسباب تشكيلها والهدف منها، وكانت التساؤلات بمعظمها تدور حول تخصّصها أو محاولة فهم تعريف عبارة "قوى الظلام".
تقول رئيسة لجنة محاربة قوى الظلام وعضو مجلس محافظة النجف هبة الكوفي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاستغراب من اسم اللجنة قد يكون طبيعياً، لكنّ اختياره جاء للفت الانتباه إلى مجموعة من المشكلات والأفكار المنحرفة التي بدأت تؤثّر في الطلاب والشبّان في النجف"، مشيرة إلى أنّ "المدينة تشهد حالات غزو فكري". تضيف أنّ "النجف تشهد دخول أفكار جديدة، من طريق احتيال إلكتروني وصفحات وهمية وحملات تضليل رقمية، تحمل عنفاً فكرياً يدعو إلى التطرّف الديني والشذوذ والترويج للمثلية"، مبيّنةً أنّ "اللجنة ستكون موجودة في المدارس في مرحلة أولى، لمواجهة أفكار منحرفة مثل جماعة القربان وغيرها".
وتوضح الكوفي أنّ "اللجنة تهدف إلى نشر ثقافة الاعتدال، خصوصاً بعد موجة من الأحداث الغريبة التي حصلت في النجف، مثل انتحار طالبتَين في منتصف شهر يناير/كانون الثاني الجاري، بالإضافة إلى معاناة الأهالي من تحوّلات فكرية تُسجَّل في المدارس". وتبيّن أنّ "لذلك سنحاول، عبر اللجنة، الاستعانة بالمؤثّرين والخبراء والعلماء في مجالات التربية والمجتمع".
وكانت قيادة شرطة محافظة النجف قد أعلنت قبل أسبوعَين انتشال جثتَين مجهولتَي الهوية من نهر الكوفة وسط المحافظة. وبحسب مصادر أمنية في النجف، فإنّ "الجثّتَين تعودان إلى طالبتَين قضتا غرقاً في نهر الكوفة"، علماً أنّهما "وُلدتا في عام 2008، إحداهما في مدرسة ولاء الكوفة، والثانية في مدرسة هدى الصدر بالكوفة". ووفقاً للمعلومات التي تداولها ناشطون من مدينة النجف، فإنّ إحدى الطالبتَين كانت قد أخبرت الجميع بأنّها ستقدم على الانتحار، وكتبت إنشاءً عن الأخلاق شرحت فيه ما ستفعله. وذكرت أنّها ستنهي حياتها بسبب ضغط المجتمع وتعرّضها للظلم، بسبب عدم إعادة امتحانات (الأحياء واللغة العربية) وطالبت بتغيير القانون التعليمي والتربوي.
في سياق متصل، يقول الصحافي العراقي حسام الكعبي لـ"العربي الجديد" إنّ "النجف حالها كما حال محافظات العراق الأخرى، تتعرّض ما بين فترة وأخرى لغزو خطاب متطرّف على مستويات الفكر والعقيدة، ولعلّ آخرها وأخطرها جماعة القربان". يضيف أنّ "مجلس محافظة النجف اختار تسمية قوى الظلام لأنّ هذه الجماعات المنحرفة تمارس أفعالاً ظلامية، خصوصاً من خلال دعوة الشبّان والشابات إلى الانتحار".
وتواصل السلطات الأمنية والقضائية العراقية ملاحقة أفراد جماعة القربان المتطرّفة في مناطق بوسط العراق وجنوبه، منذ أشهر عدّة. وتصنّف السلطات العراقية هذه الجماعة في خانة "الجماعات المنحرفة" دينياً، بعد تفشّي الانتحار بين أفرادها. وفي الأشهر الماضية، أعلنت الأجهزة الأمنية اعتقال نحو 90 منتمياً إلى هذه الجماعة، تحت عنوان تتبنّاه السلطات رسمياً، وهو "جماعات دينية متطرّفة". لكنّ مراقبين وناشطين من مناطق انتشار هذه الجماعة يؤكّدون أنّ نشاطها ما زال مستمراً، وسط خوف يعبّر عنه الأهالي إزاء تأثيرها بأبنائهم وبناتهم.
وتنشط جماعة القربان أو "العلّاهية" في عدد من المحافظات العراقية، خصوصاً في محافظة ذي قار الجنوبية، وتأتي طقوسها قاسية ومتطرّفة تتضمّن تقديم أشخاص قرابين إلى الإمام علي بن أبي طالب من خلال الانتحار، أو إيذاء النفس من ضمن ما يرونه تسريعاً ليوم القيامة ونهاية العالم، الأمر الذي تسبّب في اضطرابات اجتماعية وأمنية في المحافظات الجنوبية بالبلاد. وقد سجّلت محافظات ذي قار وميسان والبصرة والقادسية (الديوانية) حالات انتحار كثيرة في منازل وعدد من الجوامع التي يتّخذها أتباع جماعة القربان مقارّ لهم.