بغداد الأخيرة عالمياً في مؤشر الرعاية الصحية
احتلت العاصمة العراقية بغداد المرتبة الأخيرة في مؤشر الرعاية الصحية، في ظل قطاع صحي متهالك يواجه عوائق كثيرة
أظهر موقع نومبيو "Numbeo" المختص بالإحصائيات التي تعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، أن العاصمة العراقية بغداد تحتل المركز الأخير (309) في مؤشر الرعاية الصحية لعام 2025. فيما احتلت العاصمة القطرية الدوحة المركز الأول عربياً (73)، تليها العاصمة الإماراتية أبوظبي (87)، ثم مدينة دبي الإماراتية (119)، فالعاصمة البحرينية المنامة (148)، ثم العاصمة السعودية الرياض (المركز 184).
أما عالمياً، فقد احتلت مدينة كاوهسيونغ في تايوان المرتبة الأولى في مؤشر الرعاية الصحية، تليها مدينة تايبيه في تايوان أيضاً، ثم مدينة تشيانغ مي في الصين، فيما احتلت مدينة ماكاتي في الفيليبين المركز الرابع، فعاصمة كوريا الجنوبية سيول المركز الخامس.
ويتجاوز عدد المستشفيات الحكومية والخاصة في العراق الألف، تتوزع على عموم المحافظات، بالإضافة إلى عدد كبير من مراكز الرعاية الصحية الموجودة في مختلف المناطق بالإضافة إلى الأرياف.
يعرب رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي، ماجد شنكالي، عن قلقه من استمرار مشاكل الواقع الصحي في البلاد، مؤكداً أن النظام الصحي العراقي لا يزال متهالكاً. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "النظام الحالي يعتمد على نموذج اشتراكي تتحمل فيه الدولة كامل تكاليف الرعاية الصحية"، وهو ما يعتبره "غير مستدام نظراً إلى أن عدد السكان الذي يصل إلى حوالي 42 مليون نسمة".
يتابع شنكالي أن حصة الفرد العراقي من الرعاية الصحية سنوياً تبلغ حوالي 200 دولار فقط، وهو مبلغ غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين، في حين أن تطبيق نظام الضمان الصحي يتطلب مبالغ كبيرة وشراكة مع القطاع الخاص، لتحقيق تغطية شاملة. ويشدد على ضرورة إجراء معالجات فورية تهدف إلى تحسين الواقع الصحي، بما في ذلك تطوير القطاع الخاص ليكون دافعاً لتطوير القطاع الحكومي، على أن يكون الأول شريكاً وليس عبئاً على الأخير.
ويؤكد أهمية التأمين الصحي وتفعيل برامجه وتطوير البرامج الطبية والصحية لتقديم خدمة ورعاية صحية متكاملة أسوة ببقية بلدان المنطقة، والتركيز على إعادة النظر بجميع التشريعات والقوانين المتعلقة بالجانب الصحي، وبدء العمل على معالجة المشاكل تدريجياً انطلاقاً من تهريب الأدوية وملفات الفساد.
ويُعرب مواطنون عراقيون عن استيائهم من تدهور الواقع الصحي في البلاد، وضعف الخدمات الطبية المقدمة، فضلاً عن قلة الإمكانيات والأجهزة الطبية المتطورة والحديثة في المؤسسات الصحية. يشكو المواطن، محمد خلف، وهو من سكان العاصمة بغداد، ضعف الخدمات الطبية المقدمة للمرضى، فضلاً عن عدم توفر الأجهزة الطبية الحديثة في المستشفيات الحكومية، ما دفعهم إلى البحث عن مراكز ومستشفيات خاصة باهظة الثمن من أجل توفير خدمة صحية جيدة. ويشير في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى رداءة الخدمات المقدمة في المؤسسات الصحية، وتهالك البنى التحتية للكثير من المستشفيات، وتقادم مرافقها ونقص الصيانة، بالإضافة إلى الفساد المالي المستشري في تلك المؤسسات.
ويتحدث خلف عن ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة، وارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات، والتي عجزت المؤسسات الصحية عن توفيرها، ما يدفع المواطن إلى شرائها بأموال مضاعفة من السوق. ويطالب الحكومة باتخاذ إجراءات جادة وحقيقية لتحسين الواقع الصحي، بما في ذلك بناء مراكز متخصصة ومستشفيات جديدة، وتحديث المرافق الطبية، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
إلى ذلك، يؤكد مسؤول محلي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن النظام الصحي في العراق يواجه تحديات كبيرة وتراكمات كثيرة انعكست على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ورغم الجهود المبذولة لتحسين هذا القطاع، لا تزال العديد من المشاكل قائمة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن أسباب تراجع قطاع الرعاية الصحي في العراق يعود لعوامل عدة، أهمها تهالك البنية التحتية، ونقص الكوادر الطبية، إذ يواجه العراق هجرة مستمرة للكفاءات الطبية إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل.
ويشير إلى أن الفساد الإداري والمالي المتفشي في البلاد يُعد أحد أبرز العوائق أمام تطوير القطاع الصحي، إذ يتم تحويل الأموال المخصصة للرعاية الصحية إلى جهات غير مستحقة، ما يعرقل تحسين الخدمات.
ويشدد على أن غياب التخطيط الاستراتيجي الذي يفتقر إليه النظام الصحي العراقي، وعدم وضع رؤية واضحة للتطوير لناحية بناء مستشفيات جديدة، يفاقمان من تدهور القطاع الصحي، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على الكوادر الطبية.
وتسجل المستشفيات العراقية بشكل مستمر اعتداءات على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وسط ضعف ملحوظ في تنفيذ القوانين الرادعة لهذه الانتهاكات، ما يدفع عدد كبير من الأطباء إلى اتخاذ قرار الهجرة بحثاً عن بيئة آمنة بعيداً عن العنف والتحديات اليومية، بما في ذلك الإجراءات العشائرية التي تثقل كاهلهم، فضلاً عن التهديدات بالقتل وفرض الإتاوات عليهم.
من جهته، يؤكد نقيب الأطباء في العراق، حسنين شبر، أن الاعتداءات على الكوادر الطبية في المستشفيات لا تزال تتصاعد في عموم مناطق العراق. ويقول إن هذه الحوادث تتكرر بوتيرة مقلقة من دون تدخل أمني فعّال يحفظ سلامة الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، مبيناً أن المشكلة لا تقتصر على القطاع الخاص فحسب، بل إن النصيب الأكبر من الاعتداءات يحدث في المستشفيات الحكومية التي يفترض أن توفّر بيئة آمنة للأطباء.
يضيف شبر أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم، بل إنها تتكرر منذ سنوات من دون إجراءات رادعة أو محاسبة حقيقية للجهات الأمنية المقصّرة في حماية الأطباء عند وقوع الاعتداءات، مشيراً إلى أن "استمرار تجاهل هذه التجاوزات يخلق بيئة غير آمنة ويهدد النظام الصحي العراقي برمّته". ويدعو الجهات المعنية إلى تعزيز الإجراءات الأمنية داخل المؤسسات الصحية الحكومية، ومحاسبة الأطراف المسؤولة عن أي تقصير، وفرض عقوبات صارمة على المعتدين، فضلاً عن تكثيف حملات التوعية حول أهمية حماية العاملين في القطاع الصحي ودورهم الحيوي في خدمة المجتمع.
كما يشير شبر إلى أن نقابة الأطباء في العراق تعمل على ضبط وتنظيم القطاع الصحي الخاص ومنع التجاوزات لضمان تقديم خدمات طبية ذات جودة عالية، بالتعاون مع وزارة الصحة، بالإضافة إلى دعم الأطباء وتوفير بيئة عمل مناسبة لهم للحد من ظاهرة الهجرة والحفاظ على الكفاءات داخل البلاد.