إيقاف قانون العفو العام يشعل خلافاً بين السلطات القضائية في العراق

العربي الجديد

إيقاف قانون العفو العام يشعل خلافاً بين السلطات القضائية في العراق

  • منذ 1 يوم
  • العراق في العالم
حجم الخط:

فجّر قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق إيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة التي أقرها البرلمان أخيراً، وأبرزها قانون العفو العام، خلافاً جديداً بين المحكمة ومجلس القضاء الأعلى، الذي رفض القرار وأكد المضي بتنفيذ القانون، وعدم الزامية القرار الصادر عن المحكمة، وهو ما دفع المحكمة الاتحادية إلى الرد من جديد، والتأكيد أن ما يصدر عنها ملزم التنفيذ للسلطات كافة.

وقبل ذلك، أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، بوادر أزمة وانقساماً سياسياً في البلاد، فبينما انتقدت القوى السنية القرار، متهمة المحكمة بالتسييس، دافع تحالف "الإطار التنسيقي" عنه. ووفقاً لبيان صدر عن مجلس القضاء الأعلى، الأربعاء، فإنه "لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يُشرّعه مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية"، مؤكداً في معرض شرحه للموقف الدستوري، أن الأوامر التي تصدرها المحكمة الاتحادية، "وقتية، ولا تتمتع بالحجية الباتة والملزمة التي هي صفة تلازم الأحكام النهائية الفاصلة في موضوع النزاع"، ووجه البيان المحاكم بقبول العمل بالقوانين.

وبعد ساعات، ردّت المحكمة الاتحادية على مجلس القضاء الأعلى، قائلة إن قراراتها "باتة وملزمة بموجب أحكام المادة الـ94 من دستور جمهورية العراق لعام 2005"، معتبرة أن المادة الـ94 من الدستور "حصّنت جميع قراراتها من الطعن بها وألزمت تنفيذها". وعلى إثر الخلاف السياسي وكذلك ما بين السلطات القضائية، دعا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أعضاء ائتلاف إدارة الدولة إلى عقد اجتماع في القصر الحكومي السبت المقبل، يهدف إلى مناقشة الأوضاع العامة في البلاد، والبحث في عدد من الملفات على المستوى الوطني، بحسب بيان رسمي لمكتبه.

وتقول مصادر سياسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن الساعات الماضية شهدت حراكاً سياسياً فعالاً من أجل تهدئة الأوضاع ما بين المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى، لمنع تصاعد حدة الخلاف فيما بينهما، وهناك جهود تبذل من أجل عقد اجتماع يجمع رؤساء السلطتين القضائيتين، بمبادرة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبعض قادة الإطار التنسيقي، وعلى إثر تلك المبادرة جرت تهدئة التصعيد الإعلامي في الوقت الحاضر.

وفي السياق، يقول الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري مجاشع التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف ما بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية يُعدّ سابقة خطيرة"، معتبراً أن الخلافات ناتجة من عدم فهم وظيفة المحكمة الاتحادية، وكذلك الصراعات السياسية التي تحاول تغذية الأزمة بين طرفي السلطة القضائية المتمثلين بمجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية.

ويبيّن التميمي أن "تأثير ذلك سيكون كبيراً في النظام السياسي، ما لم يكن هناك حدّ لهذه الخلافات التي بدأت تعصف بأهم سلطة العراق، وهي السلطة القضائية الحامي الأخير للنظام السياسي في البلاد". ويشدد على أن حل الأزمة مسؤولية الجميع، وهناك بوادر لإنهاء هذه الأزمة عبر إنهاء الأمر الولائي، حيث تشير المعلومات إلى أن القوى السياسية مع مجلس القضاء الأعلى ستجتمع بالمحكمة، وسيلغون الطعن والأمر الولائي، بشرط إلغاء التصويت، وإعادة القوانين للتعديل، وفق قوله.

من جهته، يشير أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الصراع السياسي بين القوى السياسية، سواء في السلطة التنفيذية أو تحت قبة البرلمان، أو خارج الحكومة، لا يُعدّ أمراً جديداً على المشهد، بل على العكس هذا الصراع هو السمة العامة للعلاقة بين القوى المتنفذة في هذا البلد، ولكن بعد تصويت البرلمان على حزمة القوانين الجديدة، برز إلى الساحة العراقية شكل جديد من أشكال الصراع أو الاختلاف على أقل تقدير، داخل السلطة القضائية بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية في تحديد صلاحيات كل منهما، وموقفها من آلية التصويت على حزمة القوانين أعلاه".

ويلفت العرداوي إلى أن "مثل هذا الصراع يبدو غير مسبوق بهذه الحدة والموضوع، ما يشير إلى وجود خلل وفجوة خطيرة داخل بنية النظام الدستوري العراقي، فالسلطة القضائية في أي بلد تُعدّ ملجأ الأفراد والجماعات والمؤسسات في حماية حقوقها وحرياتها، وفض النزاعات بين المتخاصمين، وعندما تظهر هذه السلطة بمظهر التنازع والاختلاف بين مؤسساتها، فهذا يترتب عنه ضعف وتخلخل في ثقة المواطنين بها، وبأحكامها، وفاعلية دورها، والنتيجة اهتزاز أكبر للثقة بالنظام الحاكم برمته".

ودعا حزب "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، إلى تشريع قانون لتنظيم عمل المحكمة الاتحادية، وقال النائب عن الحزب هيبت الحلبوسي، في تصريح متلفز: "ندعو الآن القوى السياسية إلى تشريع قانون المحكمة الاتحادية، فالدستور ينص على تشريع قانون للمحكمة الاتحادية، لكن مضى 20 عاماً، ولم يشرع لها أي قانون". وأكد أن "بعض القوى السياسية منعت في الفترة السابقة تشريع أي قانون للمحكمة"، مضيفاً: "طالبت بإدراج تعديل قانون المحكمة على جدول أعمال البرلمان، لأجل تصحيح مسار العمل الدستوري، فلا يمكن أن أعلى هرم بالسلطة يعمل من دون قانون".

وحصل الحزب على "وعود من قبل رئيس البرلمان محمود المشهداني، بإدراج تعديل قانون المحكمة الاتحادية على جدول الأعمال في الجلسات المقبلة"، وفقاً للنائب نفسه. من جهته، أكد وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري، أهمية إعادة تشكيل المحكمة الاتحادية لضمان حياديتها ونزاهتها، وقال في تدوينة له: "بعد التنازع القانوني والدستوري بين المحكمة الاتحادية العليا ومجلس القضاء الأعلى حول التشريعات التي أقرها البرلمان أخيراً، فإن الوقت قد حان لإعادة تشكيل المحكمة الاتحادية وفق ما رسمه الدستور لها لضمان استقلالية القضاء وحياديته ونزاهته، فالعدل أساس الملك".

وليست هذه المرة الأولى التي تثار بها "عدم دستورية" المحكمة الاتحادية، إذ إنه على إثر قرارات سابقة مثيرة للجدل للمحكمة، واجهت اتهامات سابقة بعدم "دستوريتها"، خصوصاً من قبل القوى الكردية، التي عدتها في أوقات سابقة "سيفاً مسلطاً"، وإن قراراتها "سبب بإشعال الأزمات في البلاد". وأنشئت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في عام 2005، ومقرها في بغداد، وتتألف من رئيس وثمانية أعضاء، وتختص بالفصل في النزاعات الدستورية، وتُعتبر قراراتها باتّة وملزمة للسلطات كافة. ورغم أن الدستور العراقي أقرّ بأن تكون هذه المحكمة مستقلة، إلا أن الأحزاب النافذة تناوبت على طرح قضاة يمثلونها.

وتتلخص مهام المحكمة الاتحادية بـ"الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وتفسير نصوص الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، والفصل في المنازعات القضائية والإدارية التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، والمحافظات، والبلديات، والإدارات المحلية، والفصل في الاتهامات الموجهة إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والوزراء، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب".



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>