قانون تحرير العراق من إيران
يتداول العراقيون في الداخل والخارج منذ أسابيع، ويتابعون ويتفاعلون من كثب، سواءً في شبكات التواصل الاجتماعي أو في قنوات الإعلام البديل، تغريدات السيناتور الجمهوري، عضو الكونغرس الأميركي جو ويلسون، الذي كتب مقترحَِ مشروع "تحرير العراق من إيران"، إذ يعمل عليه شخصياً، كما صرّح لشخصياتٍ عراقية التقاها، أو لعراقيين أميركيين يتواصلون معه يومياً، وأنه كتبه مع سيناتور آخر، هو جيمي بانيتا، من الحزب الديمقراطي. يحوي المشروع المقدّم (أُحيل على اللجنة المتخصّصة) استراتيجيةً مشتركةً بين الوكالات الأميركية المختلفة لدعم الشعب العراقي في رغبته بتحرير بلاده من النفوذ الإيراني، وآلياتٍ لدعم الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان في العراق. وحسب نصّ القانون الذي نُشر، على وزير الخارجية، بالتعاون مع وزير الخزانة، والرئيس التنفيذي لوكالة الإعلام العالمية الأميركية، وضع استراتيجية وتقديمها إلى الكونغرس لدعم جهود الشعب العراقي في إزالة المليشيات المدعومة من إيران، ومن ضمنها قوات الحشد الشعبي، وإنهاء هيمنة إيران على النظام السياسي العراقي، ووقف المساعدات الأمنية الأميركية للحكومة العراقية، ما لم تُفكِّك جميع المليشيات المدعومة من إيران، ووقف دعم الإرهاب، وإبعاد هذه المليشيات من أيّ منصب حكومي، كما تحوي الخطّة التنفيذية تصنيف جميع المليشيات الإيرانية في العراق (من دون استثناء) منظّماتٍ إرهابيةً أجنبيةً.
ظلّت إدارة بايدن مغلولة اليد عن تنفيذ عقوبات تمنع سرقات إيران للمال العام العراقي
ليس ذلك فحسب، بل يُطالب مشروع القانون وزير الخزانة تقديم تقرير عن الشخصيات السياسية والقضائية والمسلّحة، التي تدعم إيران أمثال نوري المالكي وهادي العامري، ورئيس أركان الجيش العراقي، عبد الرشيد يار الله، ورئيس المحكمة الاتحادية، جاسم محمد حُمّادي. وتقرير آخر عن المؤسّسات الحكومية مثل بنك الرافدين، وشركة سومو لتسويق النفط، كما يحظر على الحكومة العراقية، وأيّ كيان آخر، استيراد الغاز الطبيعي المُسال من إيران، وبخلافه يفرض وزير الخزانة عقوبات على من يخالف هذا الحظر.
هذه بعض الإجراءات التي تضمّنها القانون الذي سُجّل أخيراً في مجلس النواب تحت رقم 2658، وقُدِّم إلى لجنة العلاقات الخارجية والقانونية، بانتظار قرار رئيس مجلس النواب في تحديد وقت إدراجه في جدول أعمال الجلسة المقبلة والتصويت عليه، بعدها يُقدّم إلى مجلس الشيوخ للتصديق، ومن ثمّ يُقدَّم إلى الرئيس دونالد ترامب، ليصبح قراراً جاهزاً لتنفيذ بنوده في حال موافقة ترامب نفسه على ذلك. طُرح مشروع القانون هذا بعد سلسلة من العقوبات التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي على البنوك العراقية، التي تتلاعب بالدولار بكلّ الطرق، بالتنسيق مع إيران، وبعد التهديدات والتقارير التي تتّهم حكومة المنطقة الخضراء بتهريب مليارات الدولارات إلى النظام الإيراني، عبر عدد من البنوك الحكومية والخاصّة المملوكة لمتعاملين وولائيين وسياسيين، ولأحزاب أُنشأت بنوكها من أجل عمليات تبيض الأموال وتهريبها، وخرق قوانين العقوبات الأميركية على إيران. رغم الخروق البنكية كلّها، وتجرّؤ المليشيات على السفارة والقواعد الأميركيتَين بتعليمات إيرانية، ودور السفير الإيراني المهيمن على السياسة والبرلمان والحياة الاقتصادية في العراق، ظلّت إدارة الرئيس جو بايدن مستمرّة في سياسة التغافل ومحاباة إيران، وبقيت مغلولة اليد حتى عن تنفيذ عقوبات تمنع سرقات إيران للمال العام العراقي، بل فضّلت المحافظة على الوضع العراقي القائم المفيد لتنفيذ أهداف الغزو الأميركي لأرض الرافدين، تحت سلطة الوليّ الفقيه، التي كانت الأداة الأكثر أهميةً في تدمير العراق ودولته وسرقة خيراته.
بعد عقدَين ونصف العقد (تقريباً) من قانون حرية العراق (أكتوبر/ تشرين الأول 1998)، خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، اعتُمد قانون حرية العراق نفسه للمرّة الثانية عند غزو العراق، إبّان إدارة مجرم الحرب جورج بوش، الذي تستمرّ مآسيه وكوارثه وآلامه، وتتهيأ إدارة الرئيس دونالد ترامب من جديد لطرح قانون يسمّى "تحرير العراق من إيران"، هذا التاريخ المأساوي للشعب العراقي، الذي سبّبته قوانين "تحرير العراق" و"حرية العراق" الأميركية، حاضرٌ ما تزال آلامه وجروحه عميقة في العقول والوجدان والأجساد، في المخيّمات والمدن والأرياف، لدى الكبار والشباب، وملايين اليتامى الذين فقدوا، ليس الآباء والإخوة فحسب، بل كلَّ شيء، من أهل ومسكن، وحتى الهويّة، ما يزال بضعة ملايين من المناطق الغربية أو الوسطى يفترشون الصحراء في الخيام المهترئة البائسة، التي تقدّمها لهم وزارة مهاجرين لا تحمل اسمها، وزارة ثبت بالوثائق أنها مرتشية تنفّذ أجندة للجريمة المنظّمة، التي تتقنها حكومة الخضراء وأسيادها في طهران، بكلّ مؤسّساتها، معية موظفين أمميين فاسدين متواطئين في الجريمة.
يُطالب مشروع القانون وزير الخزانة بتقديم تقرير عن الشخصيات السياسية والقضائية والمسلّحة، التي تدعم إيران
ما زال لهذا الشعب أمل في انزياح الكابوس الذي يجثم بخبث على وطنه منذ 22 سنة، مع وصول الرئيس دونالد ترامب، الذي يظهر بأنه يتعامل بطريقة مختلفة عمّن سبقه في البيت الأبيض مع الملفّ الإيراني، وتصريحه باستخدام أقصى الضغوط على طهران، سواء في ملفّها النووي أو في تمدّدها هي وأذرعها العسكرية المليشاوية في المنطقة، وباهتمامه للاستماع إلى صديقه المقرّب النائب جو ويلسون الذي صاغ القرار مع زميله السيناتور الديمقراطي، استجابةً منه لطلبات شخصيات عراقية أميركية عدّة، صوّتت بكثافة للجمهوريين (شكرها ترامب خلال مأدبة رمضان بحرارة لوقوفها معه)، والقوى العراقية الوطنية الموحّدة في المجلس الوطني للمعارضة، التي أرسلت لإدارة ترامب رسائلَ ترحّب فيها بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق بعد القضاء عليه في سورية ولبنان، فقد استمع ممثلون لإدارة ترامب، في لقاء تلفزيوني مع رئيس المجلس الوطني للمعارضة عبد الناصر الجنابي، للرؤية السياسية للمجلس، ومَن ينضوي تحت اسمه من القوى والشخصيات الوطنية المدنية والعسكرية المناهضة للعملية السياسية، لإنقاذ العراق واستعادته من مخالب "دولة الفقيه"، ونقل الجنابي تثمينه، وتثمين الشعب العراقي، موقفَ الرئيس ترامب، الذي وقف ضدّ غزو العراق، وخلّص المنطقة من قاسم سليماني الذي عاث فساداً في العراق والمشرق، وما تزال آثار سياساته في سجن الأبرياء (من مكوّن معيّن من العراقيين والعراقيات) ماثلةً في سجون حكومة المنطقة الخضراء، إذ ما زال يقبع "عشرات الآلاف منهم، يُعدَمون على نحوٍ منتظم من دون محاكمات، نطلب لهم الحماية الدولية، التي طالما طالبنا بها مراراً وتكراراً".
قانون تحرير العراق من إيران فرصةٌ يجب استغلالها وتوظيفها شعبياً في العراق
وعن تغيير النظام وإقامة حكومة جديدة، قال الجنابي إن المجلس يريد "التفاهم على حكومة إنقاذ وطني حقيقية تؤمن بتداول السلطة وتحافظ على العراق وهويّته واحترام مكوّناته، وتحافظ على المصالح الوطنية والمصالح الدولية فيه"، وقال إن المجلس يرفض "الحكم الديني والطائفي والعرقي، ويرفض حكم رجال الدين، ويعتمد على الكفاءات الوطنية"، وأضاف أنّ هناك تفاهمات حول آليات التغيير والإنقاذ ستظهر في وقتها، ليختم بالقول، إن المجلس "منفتح" على التفاهم مع الولايات المتحدة، وبناء علاقات متوازنة معها لإعادة بناء العراق.
سيكون قانون تحرير العراق من إيران فرصةً ثمينةً لا يمكن التفريط بها، في حال التصويت عليه "وتنفيذه في ثلاثة شهور كما في النصّ"، فرصة يجب استغلالها وتوظيفها سريعاً (قبل تدخّل طرف خارجي) من الشعب العراقي الصابر (والمظلوم) منذ أكثر من عشرين عاماً. وعليه، ربّما يجدُرُ التحرك جماعياً في مدن العراق كلّها، منذ الآن، وأن يكون شعب ثورة تشرين العظيمة الشرارة الأولى لتغيير النظام الولائي الطائفي الفاسد، والتخلّص منه، وإنقاذ العراق، واستعادته من براثن احتلال إحلالي غاشم، يعيش على الفتنة الطائفية ويتغذّى من تأجيجها، ويقدّم أبناء الشعب العراقي حطباً لحروبه وخططه التوسّعية، وبرامجه الاستيطانية في المنطقة كلّها.